أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سيكولوجية الثوري المقهور.. فؤاد عبد العزيز*

أرشيف

كثير منا يشتهي اليوم لو أنه يمسك أحد قادة المعارضة أو ممن تصدوا للمشهد من تلقاء أنفسهم، ويوسعه ضربا وركلا، كي يجعل منه عبرة تتناقلها الأجيال وكتب التاريخ فيما بعد، تماما مثلما فعل الشعب الأوكراني عندما رمى بمسؤوليه الفاسدين في حاويات الزبالة.

والمعارضة السورية، في أغلبها، تستحق هذا المصير، لأنها تتحمل المسؤولية الأكبر عما آلت إليه الأوضاع من سوء. 

لقد وهبهم الشعب السوري ثورة من ذهب، ما كانت لتخطر على بالهم ولا بالأحلام، فلم يكتفوا بإهدارها، بل ضيعوا معها هذا الشعب المسكين، الذي أصبح بين شهيد ومهجر ونازح، واليوم يحملهم الجميع مسؤولية ضياع سوريا بكاملها.

منذ تأسيس المجلس الوطني نهاية العام 2011، تعامل الكثير من أعضاء المجلس بأنانية وفوقية، مع كل الخبرات التي قررت الابتعاد عن النظام، وبالذات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، وكان لهذه الخبرات أن تحدث فرقا واضحا، لو أنه تم استثمارها وتوظيفها في مواجهة النظام وفي التعامل مع المجتمع الدولي.

لكن أخذتهم العزة بأنفسهم وهم يرون وزراء خارجية الدول الكبرى تتسابق للقائهم، فظنوا أنفسهم موهوبين، وأنهم عن جد يمثلون الثورة السورية.

أحد أعضاء المجلس الوطني المشهورين على شاشات التحليل التلفزيوني، كنت أريد أن أتحدث معه بعد أن خرجت من سوريا في بداية العام 2012، فكان يتهرب مني، ويدعي أنه لا يسمعني على الهاتف.. وعندما التقيته مواجهة، أمسكته من ياقتي قميصه وصرخت بوجهه بعنف: لماذا تتهرب مني..؟ أعلم أنك كنت تعمل "شوفير" سرفيس في سوريا، وهذا لا ينتقص من قدرك، ولكن هذه ثورة وبلد، ودول عظمى تتعاملون معها، وهناك ضحايا على الأرض، والأمر بحاجة إلى حنكة ودراية، والكثير منكم لا يملكها .. دعوا الخبز لخبازه ولا تضيعوا الثورة من أيدينا. 

أما الطامة الكبرى، عندما ذهبت مرة إلى مخيم العسكريين المنشقين، حيث كان يغص بالضباط من شتى الرتب العالية، وكانت مشكلة هؤلاء، وفق ما أسرّوا لي، أن قيادات المعارضة كانت تزورهم وتتعامل معهم كأنهم ضباع تم حبسها في أقفاص في الصحراء.. ينظرون إليهم بعين الإشفاق أحيانا، وكل مناشداتهم لإخراجهم والزج بهم في المعارك في سوريا، كانوا يجيبون عليها بلغة مقعرة، من عصر الجاهلية.

وعلى فكرة الكثير من المعارضين، وفي بداية الثورة، تدربوا على نطق المفردات التي توحي قربهم من الله سبحانه وتعالى، حتى أن أحدهم لبس عمامة وقفطان، أوصلتاه فيما بعد للائتلاف الوطني، فخلعهما هناك. 

باختصار، لقد حاولت المعارضة المبتدئة "التكويش" على الثورة، من باب أن من قام بالثورة هم الناس البسطاء، وبالتالي لا بد أن يمثل هؤلاء من يشبههم ويستطيع التعامل معهم، ولم ينظروا لأنفسهم على أنهم ممثلون لثورة أمام المجتمع الدولي وقيادات العالم، لهذا عملوا على إقصاء كل الأسماء الكبيرة والخبرات الأكاديمية التي كانت تعيش في الغرب، وأعلنت تأييدها وانضمامها للثورة.

وهذه الخبرات كانت الأقدر على فهم العلاقات الدولية وكيفية إدارتها، ولو أنه تم الاستعانة بها لكان حالنا اليوم أفضل بكثير.

المعارضة هي التي جعلت من الطبيب البيطري وطبيب الأسنان والقلبية، سياسيا، ومن قاطع الطريق قائدا عسكريا، ومن الميكانيكي إعلاميا كبيرا، وشيخ الجامع رئيسا على جيش من المحامين، وهي من سلمت قرارها السياسي للدول، تتلاعب به كيفما تشاء، مقابل حفنة من الدولارات. 

والمعارضة أخيرا، هي التي سمحت بتشرذم الثورة، عندما لم تستطع أن تتوحد في جسم واحد، وتركت الباب مفتوحا لمن هب ودب، كي يشتري ما يشاء من الفصائل العسكرية، ويوجهها وفقا لأهدافه وتطلعاته. 

أقولها وعن يقين، إن ذنب كل من سقط شهيدا وتهجر وتدمر بيته، هو برقبتكم .. لقد باعتكم الناس أرواحها وممتلكاتها مقابل أن تنصروا هذه الثورة، وتسقطوا النظام، فكانت النتيجة أنكم بعتم كل هذه التضحيات بثمن رخيص وبخس. 
فما أرخصكم وما أبخسكم ..!

*من كتاب "زمان الوصل"
(213)    هل أعجبتك المقالة (231)

مواطن

2018-06-10

منذ البداية كان واضحًا أن هؤلاء الزعران هم من مظاهر فشل الثورة. المشكلة أننا نحن السوريين نظن أنفسنا أذكى من غيرنا وأننا شعب عظيم وبالتالي نقع في مطب كبير. جميعنا مسؤولون بأننا لم نكن على مستوى المسؤولية، وأننا انشغلنا بنقد هذا وذاك ونسينا العمل، كان للكثيرين تصرفات انتهازية دون أن يشعروا، وبالتالي صارت الثورة تتهاوى من هنا وهناك حتى تهدمت على رؤوسنا.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي