أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المعارضة والنظام متفقان على تقسيم سورية.. عبد السلام حاج بكري*

دير الزور - جيتي

معارض سوري عتيق يقيم في أوروبا، له نشاطات سياسية في البلد الذي نال جنسيته، كان يقول لي عند عقد المصالحات مع النظام وعمليات التهجير التي تتبعها "هذا خير لكم" وسألته أول مرة "ما الخير فيه " فأجاب "حماية أرواح المدنيين لأن لا أحد يهتم بهم لا النظام ولا المعارضة، والعالم لن يكون أكثر حرصا".

عندما بدأت ملامح مشروع التقسيم بالظهور سألته رأيه، فكان مشابها "هو خير لكم من استمرار الموت، عدا عن أنه رغبة دولية"، الرجل قال رأيه الواعي والإنساني، ولكن السؤال المطروح ما رأي كل من النظام والمعارضة بالتقسيم، وجوابه، أن النظام غير معني بالموضوع بتاتا بما أن كرسي بشار لايزال تحت مؤخرته، أما المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، فهي تعلن الرفض، وتعمل وفق مقتضيات القبول.

النظام ممثلا بشخص بشار كان في نهاية العام 2012 يحلم بدويلة علوية في الساحل، وبات بعد تدخل حزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية ومن بعدها روسيا يطمح لإعادة كل سورية إلى حظيرته، ولم يكن يوما يأبه لموضوع التقسيم، وينحصر طموحه بذلك الكرسي بعجلاته الأربع أينما وكيفما ركنت.

أمر سورية الدولة الموحدة لم يكن يوما في أولويات النظام، هذا أمر مفروغ منه، ولكن ماذا عن موقف المعارضة التي تبوّأت، عنوة، المشهد السياسي والعسكري باسم الثورة.

في الشق السياسي، انبسطت الصفحات المطوية، وظهر الخفيّ داخلها، عاد بعض المعارضين لحضن الأسد، بعدما عادت شوكته قوية، والبعض الآخر وقف على منصات أعدها النظام وحلفاؤه لهم، واحتفظوا بشعرة المعارضة، ولكنهم مثّلوا النظام خير تمثيل فدافعوا عنه، ووجدوه خير من يقود البلد وطالبوا العالم بدعمه وإعادة فتح سفاراته ورفع العقوبات عنه، بذلك يكون هؤلاء من مؤيدي التقسيم بحكم انتسابهم للنظام.

أما من استمروا برفع شعار المعارضة بنبرة عالية، فقد دأبوا على رفض التقسيم، ولكن هذا الرفض لم يقترن بعمل دبلوماسي نشط يقف بوجهه، وإذا ما كانوا مقتنعين أن بياناتهم المتوالية كفيلة بمنعه فهؤلاء يستحقون السخرية والشفقة بآن، لأن خطوات التقسيم باتت واسعة، ناصعة الوضوح.

ربما يفكر كثير من المعارضين بالعودة إلى صف النظام طمعا بمنصب أو أمان يكفل لهم استثمار ما نهبوه من الأموال المفترضة للثورة، وهم يعلمون جيدا أن استقرار البلد يعني استثمارات واسعة في إعادة الإعمار والبناء من الصفر أو ما دونه، وهؤلاء يدركون جيدا أن لا مكان لهم في الحيّز الذي ستناله المعارضة من جغرافية الوطن لأن الكبير فيها سيكون الراعي الأجنبي الذي يرعى التقسيم ويتلهف لالتقاط اللحظة والفرصة.

ولو افترضنا جدلا أن هؤلاء المعارضين ثوريون حقيقيون، فإن قعودهم عن بذل الجهد لمنع التقسيم يجعلهم مباركين غير مباشرين له، لا سيما أن منعه يحتاج جهودا مضاعفة مرات عديدة مع رضى العالم كل العالم عنه وسعيه الحثيث في طريقه خدمة لمصالح وأجندات لا دور للسوريين فيها.

وفي الشقّ العسكري، يحمل المشهد صورتين متباينتين، ففي حين تبدو غالبية عناصر ما تبقى من الجيش الحر رافضة لأي خيار غير الانتصار العسكري للثورة بما يمنع التقسيم، يعمل قاداتهم على تنفيذ الأجندات التي تمت صياغتها في الأستانة والتي تقود سريعا إلى تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ ومن ثم دويلات، مقابل وعود بأن يكونوا في عداد جيوش أو شرطات محلية وبعض المكافآت المالية.

أما هدف الفصائل الجهادية فإمارات إسلامية ولو كانت في غرفة، وهذا "طبعا" ليس نصرة للدين بل تولية للشرعيين والأمراء لممارسة سلطة مفقودة أبدا.

ويبقى أولئك السوريون المعارضون الصادقون الحالمون بسورية الموحدة حرة، فهؤلاء الحلقة الأضعف في سلسة تصنيفات السوريين، فهم قليلو حيلة وحنكة، يعانون ماديا وتنظيميا، لا يملكون رؤى موحدة وخططا لعمل مهم.

بهذا تكون سورية في الطريق السريع إلى التقسيم دون أن تجد من يشعل الإشارات الحمراء، وهذا لا يمنع من حوادث تقع هنا وهناك تؤخر الوصول، لكن النهاية باتت مؤكدة دون أن تتضح مسمّيات الدول الجديدة التي ستملأ جغرافيا سورية "سابقا" وعدد أصواتها في الأمم المتحدة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(121)    هل أعجبتك المقالة (154)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي