أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إيران.. من لاعب متحكم إلى ورقة لعب.. فؤاد حميرة*

مخيم اليرموك - جيتي

لا أدري إن كان كل ما يحدث يصب في مصلحة النظام صدفة أم أنه يعمل على استغلال كافة الظروف بخبث، آخر تلك المستجدات التي أراها تصب في مصلحة النظام، هو المطالبة الأميركية بخروج إيران من سوريا، ولا ننسى الضربات الاسرائيلية التكررة على مواقع إيرانية على امتداد الجغرافيا السورية، فإذا أضفنا إلى ذلك الصمت الروسي المريب على كل ذلك، تتضح لنا الصورة التي تظهر الرغبة الدولية والإقليمية في خروج القوات الإيرانية من البلاد.

أولا ينبغي أن لا نبالغ في أعداد القوات الإيرانية الموجودة في سوريا، وأقصد العسكر الإيراني الذي يطالب المجتمع الدولي بخروجهم، فأعدادهم تكاد تكون رمزية، في حين أن الثقل الأساسي لطهران في الملف السوري يستند إلى الميليشيات غير النظامية ، هنا يمكن القول أن الأمور تسير في مصلحة النظام عبر تحويل إيران من لاعب متحكم بالنظام وقيادته إلى ورقة بيد النظام يساوم بها في سوق المضاربات السياسية وعمليات البيع والشراء الجارية على سوريا أرضا وشعبا. كل ضربة توجهها إسرائيل للقوات الإيرانية تسهم في إضعاف إيران، والصراع الروسي – الإيراني يسهم أيضا في إضعاف إيران، والمطالبات الغربية بخرج إيران من الملف السوري تسهم كذلك في إضعاف الدور الإيراني في الملف السوري، وهذا لا يجعل طهران ورقة بيد روسيا فهي كذلك منذ زمن بعيد، ولكن من شأن كل هذه الضغوط والإضعاف للموقف الإيراني أن يعيد إيران كورقة في يد بشار الأسد وعصابته، يقايض فيها على كثير من الأمور والقضايا، فلقد أثبت النظام أنه بائع بارع ومستغل جيد للمواقف وعلينا أن لا نستهين بقدراته في هذا المجال.

منذ أيام شنّت جريدة الأخبار المحسوبة عل حزب الله هجوما عنيفا على النظام بدى في نظر البعض مفاجئا، خاصة وأن هذه الجريدة اللبنانية كانت مؤيدة للنظام وكأنها إحدى صحفه الصادرة في دمشق، لكنها كالت للنظام اتهامات وصلت حد الشتيمة، هذا التحول يجبأن نضعه في سياقه، بمعنى ربطه بهجومات سابقة للإعلام الإيراني على النظام وعلى بشار الأسد بالذات، حتى أن إحدى الصحف كتبت عنوانا عريضا يقول أن بشار الأسد يبيعنا، وهذا الكلام لا يجافي الحقيقة ، فعلا بشار الأسد يبيع إيران ولكن ليس دون أثمان غالية.

لا شك أن الإيراني يعلم جيدا ألعاب الأسد، لكن خروجه عن صمته، والإعلان رسميا عن اشتداد الخلاف بين دمشق وطهران يعني شيئا واحدا، وهو أن الأسد يبيع ويشتري فعلا، وأنه يناور في الوضع الايراني خاصة مع السعودية والإمارات.

قد يرى البعض أن المساحة ضيقة أمام الأسد لذا ستكون مناوراته محدودة، فالروس لن يسمحوا بالتمادي الإيراني والتمدد في سوريا على حساب نفوذهم، ولكن من قال أن الروس يمانعون في حصول الأسد على صفقة جيدة تثبت أركان حكمه؟؟ سيدعم الروس الصفقة السورية، ولن يمر الحدث الإيراني هكذا ببساطة دون أن يتلقفه الأسد، وهو يطمح بالطبع إلى التقليل من عدد الدول المتحكمة بقراراته ومصيره، ويحلم بعودة سوريا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 2011 أي تحت حكمه وحده وأسرته، فيعود الحاكم بأمره مستفيدا من مجمل الظروف والتناحرات الدولية على الساحة السورية، وكلنا يعلم أن محور المقاومة لم يكن في يوم من الأيام ومنذ عهد الأسد الأب، إلا ورقة للضغط، وسلعة موضوعة على طاولة التداول (بيعا وشراء) في بورصة السياسة الدولية.

في المقابل، لن تسمح إيران لا للنظام ولا لغيره بقطف ثمار "الانتصارات" التي حققتها عبر تثبيت النظام والحفاظ عليه، فالدور الإيراني كان رئيسا، وطهران دفعت أثمانا باهظة في سوريا وبالتالي لن يكون تخليها عن نفوذها أمرا هينا، ولن يمر الأمر بهذه البساطة، خاصة وأن لإيران ميليشات جربت الحرب وخبرت الجغرافيا السورية، وهي مستعدة لفعل أي شيء إذا شعرت أنها تعرضت للخديعة والغدر، ومن الطبيعي أن تصر طهران على عدم الخروج من الملف السوري خالية الوفاض، وهنا يأتي الدور الأميركي- الإسرائيلي عبر تركيز ضرباتهم وتكثيفها على القوات الإيرانية وأذرعها في سوريا، وكما لم يتدخل النظام وروسيا سابقا في هذا الصراع بين تل أبيب وطهران على الأرض السورية، فإن موقفهما سيكون التزام الصمت مستقبلا، إذ سيعمل النظام على التخلص من النفوذ الايراني بالقدر الذي يخدم مصالحه مستعينا بإسرائيل وقوتها وقدرتها على تدمير الأهداف العسكرية الإيرانية، وأنا لا أقول هنا أن اتفاقا ما قد جرى بين دمشق وتل أبيب وموسكو حول الأمر، بل هي مسألة تضارب المصالح أحيانا والتقائها أحيانا أخرى، فمن مصلحة إسرائيل التخلص من النفوذ الإيراني على حدودها، ومن مصلحة روسيا التخلص من منافس على السيطرة، ومن مصلحة دول الخليج أن تخرج إيران مهزومة ومكسورة من الصراع في سوريا، ولكن كل ذلك يصب في مصلحة النظام ويعيد إيران إلى ورقة، مجرد ورقة ضغط بيد النظام، ولا ننسى تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سليمان خلال زيارته الأخيرة لواشنطن حين قال بأن الأسد باق ولكن عليه أن لا يكون لعبة بيد إيران، من هنا يدو أن الأمر مرتب ومدروس، وأن إيران ستعود إلى حجمها السابق على الثورة السورية، وأن النظام سيتلقى دعما عربيا إقليميا وحتى دوليا مقابل الإسهام بالتخلص من النفوذ الإيراني.

*من كتاب "زمان الوصل"
(170)    هل أعجبتك المقالة (174)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي