قبل نحو ست سنوات كنت أتحدث إلى مسؤول كبير في المجلس الوطني المعارض، ومن ضمن أسئلتي له كانت رؤيته للثورة السورية وفرص إسقاط النظام، فصدمني بإجابته التي قال فيها: على ما يبدو أنه لا حل سوى بصاعقة تحل ببشار الأسد أو مرض عضال يصيبه أو أن يقوم أحد مرافقته بقتله..
فسألته باستغراب: هل تقصد أن مشروع المعارضة قائم على انتظار موت خصمها السياسي بظروف غامضة أو قدرية..؟ ماذا لو أن هذه الظروف لم تحصل..؟
لم يكن أعضاء المجلس الوطني آنذاك، يخجلون من إجاباتهم وأحاديثهم التي تنم عن عدم خبرة وحنكة في السياسة، وكنت يومها قد تقدمت باقتراح لأحد الجهات المعارضة، أن يتم تدريب خمسة أشخاص في أحد الأكاديميات الدولية لمدة ستة أشهر، ومن ثم توكل إليهم مهمة الحديث إلى الإعلام العربي والعالمي نيابة عن المعارضة كلها، على أن يحظر على غيرهم الحديث تحت طائلة "البهدلة" العلنية من رئاسة المجلس الوطني.
لكن في ذلك الوقت لم يكن بالإمكان أن يستمع أحد إلى أمثالي، لأن المعارضة لم تكن تشعر بخطورة "أبو جعفر المغربل"، وهو يقول لمذيعة قناة الجزيرة: "والله يا أوختي النظام عم بيضربنا على أبو موزة"، فتسأله المذيعة ببراءة: وأين تقع أبو موزة في حمص..؟
مضت الأيام والسنون، وظلت المعارضة على ما هي عليه من الاستهتار والتقليل من أهمية الظهور اللائق لأعضائها، فانتقلت أمراض المجلس الوطني إلى الائتلاف، وإلى ما سواه من منصات وهيئات وتجمعات، إلى أن أدرك المجتمع الدولي والدول الداعمة بأن هذه المعارضة التي لم تستطع أن توجد صوتا ثابتا وواحدا ينطق باسمها، لا يمكن الاتكال عليها في الاتفاقات الدولية، ولا يمكن كذلك تسليمها شؤون بلد على درجة كبيرة من الحساسية لناحية موقعه الجغرافي.. لذلك اتخذ القرار منذ العام 2013، بأنه لن يسمح لها بإسقاط النظام، الذي كان في ذلك الوقت يتداعى، وأقرب للسقوط، وتم غض الطرف عن المساعدات الإيرانية التي انهالت على النظام، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، ومن ثم تم تمرير تنظيم "الدولة الإسلامية"، ليشكل هو الآخر عامل إشغال لجميع الأطراف، وبما يسمح للدول الكبرى بالتدخل في الوقت الذي تشاء، وبالطريقة التي تعجبها..وما تبقى من المشهد، الكل يعرفه.
الجديد في الموضوع، هو مشهد الائتلاف الأخير، الذي رست قيادته، على شخص غير معروف، أو على الأقل، لم اسمع به شخصيا من قبل، ولم أحفظ اسمه حتى الآن، وهذا مؤشر مهم على أن هناك قرارا آخر ينتظر هذه المؤسسة، قد يؤدي إلى إتلافها.
خطورة إسقاط الائتلاف في هذه المرحلة، يعني بأن أي حل سياسي للأزمة السورية، سوف يكون مفصلا على مقاس روسيا والنظام، ولن يكون للمعارضة أي موقع فيه، لأن هيئة التفاوض في هذه الحالة، لن تمثل سوى شخوصها، وهؤلاء لمن لا يعلم، قد حصل أغلبهم على اللجوء السياسي الأوروبي، أو أنهم في إطار السعي للحصول على هذا اللجوء، إدراكا منهم بأنهم أصبحوا رأسا بلا جسم.
لا بد أن نكرر، أنه على الرغم من كل مساوئ الائتلاف وأمراضه المزمنة والمستعصية، إلا أنه لازال الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري الثائر، والذي حصل على الاعتراف الدولي من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا أكثر ما يؤلم النظام وروسيا، وهي خطوة على درجة كبيرة من الأهمية ولا يجوز التفريط بها، مهما تكالبت على المعارضة الظروف.
باعتقادي، الدعوة لإصلاح الائتلاف يجب أن تظل قائمة، ويجب أن ترنو عيوننا إليه من جديد، وأن لا ندعه هكذا ألعوبة بيد مجموعة من الأشخاص.. لأننا باختصار لا نملك جسما بديلا، وبنفس الوقت لم نعد قادرين على تشكيل أي جسم آخر للمعارضة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية