شهر الرحمة أكثر قساوة من غيره بالرغم من أنه شهر يتعاضد فيه الناس، ويخرج الأغنياء فيه من أموالهم، وبعض من قسيت قلوبهم يحاولون جهدهم في أن يكونوا أكثر عطفاً وحناناً، وآخرون قد تثير فيهم غريزة الجوع الإحساس بجوعى العام كله الذين تقطعت بهم السبل وأسباب الرزق القليلة.
شهر الرحمة يدق باب السوريين بقسوة، وربما لا يجد باباً يطرقه فمنذ أيام ليست قليلة يفترش بعض المهجّرين من ريف حمص الطرقات في منفاهم الجديد، وآخرون لا أبواب لخيام الشتات تحميهم من ليل بهيم، ومن وحش ليل، أو برده.
للمرة السابعة ودون هوادة يدخل شهر الرحمة قلوباً أدماها الحزن على أبناء ماتوا تحت القصف أو التعذيب أو المرض، وأمهات يبتهلن إلى رب رمضان أن يعيد من غابوا في زنازين الموت والأسر، وصامتات دامعات يدّعين أن يتوقف قتال الإخوة، وموت الأخوة على يد رفاق الثورة والوحشة.
أهالي الغوطة الشرقية في دوما وفي مراكز اللجوء ينتظرون بقلوب مفطورة بالأسى أن تنتهي محنة الذل، وأخبار زج أبنائهم من قبل النظام في جيشه لحرب الإخوة تقصم الروح العطشى، وأما من بقي منهم في الغوطة، فيعيش ذل الاحتلال بعد سنوات الحرية والحصار، وصدمتهم بحماتهم الذين يغطون اليوم في عسل مكافأة الدم.
جنوب دمشق المفتت بين مصالحة مهينة وحرب إبادة وبقايا نازحين جدد يجترعون كأس نهايات المعارك في العاصمة والرحيل الذي يتكرر مع أبناء نازحي الجولان مرة أخرى، والجاني اليوم ابن الجاني الأول الذي باع أرضهم للصهاينة ثمناً لكرسي سلطة العائلة والطائفة التي حكمت بالقهر بلاداً وأحالتها بالطائرات دماراً.
جهتان من سورية التي (تحررت) ما زالتا بانتظار نهايات مجهولة...في الجنوب يدخل رمضان غريباً وسط جموع حائرة كانت تستقبله ذات زمن بخبز حوران وحنطة القنيطرة، واليوم هي حيرة المصير، وأعداء ملونون صهاينة متأصلون يستثمرون الدم والصراع، ونظام مع حلفاؤه يتهيّؤن للانقضاض على معقل الثورة الأولى، وأولى الصيحات التي نادت برحيله والخلاص منه.
هناك في بلدان الاغتراب العربية والغربية ثمة صوم بطعم الشوق والوحدة، وبالرغم من محاولات التأقلم والاندماج ما زالت الدموع معلقة على أبواب الشام وأسوار البلاد، وخلف البحار التي ابتلعت جثث الهاربين ثمة من يمد رأسه من بعيد على حي فقير في الضواحي التي التهمتها ميليشيات إيران وشرطة بوتين.
سنة سابعة... ورمضان سابع اليوم يمر على السوريين في منافيهم الداخلية والخارجية، وثمة من يشتري ويبيع أحزانهم ودماءهم في سوق الصراعات الدولية، وأما من حملوا أمانة دمهم وعرضهم في الداخل فخرج من بينهم ضفدع وخؤون.
سنة سابعة وبقايا أمل بعيد بالعودة والخلاص، وأما أولئك الذين يعتقدون أنهم انتصروا، وغرقوا في عبوديتهم وارتهانهم فقد أعمتهم نشوة نصر عند زوالها سينكشف مستور المحتلين الجدد، وأما الوطن فله أبناؤه...ورمضان جديد بطعم الشوق والغربة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية