ثبتت تركيا خلال الساعات الأخيرة "نقطة مراقبة" عسكرية جديدة في محافظة إدلب، وتحديدا عند "جسر الشغور" أحد أكثر المناطق حيوية، ليس على مستوى المحافظة وحدها، وإنما على مستوى سوريا.
ومع تثبيت النقطة الجديدة، أصبح لدى الأتراك 12 نقطة مراقبة في عموم المحافظة، يتضح من خلال النظر إلى توزعها أنها ترسم حدود منطقة يبدو أنها ستكون تحت السيطرة التركية، وخارج نطاق سيطرة النظام، الذي لن يجرؤ على التقدم نحوها أو خرقها، بموجب اتفاقات "أستانة" وملاحقها المعلنة والخفية.
ويبدو أن إنشاء "ولاية إدلب التركية" حسب ما يروق للبعض أن يسميها، بات قاب قوسين أو أدنى مع نشر هذه النقاط، وقد باتت هذه "الولاية" حديث شريحة غير قليلة من السوريين، معارضين وموالين على حد سواء، مقرونة بالاعتراف أن مصير سوريا كبلد موحد لم يعد بيد السوريين.
وأتى تثبيت الأتراك لنقطة "جسر الشغور" تزامنا مع ختام مؤتمر "أستانة" في نسخته التاسعة، وهو المؤتمر الذي يجمع 3 دول تملك مفاتيح سيطرة وتحكم مختلفة في الملف السوري أهمها "الوجود" العسكري والمخابراتي على الأرض، ونقصد بها: روسيا، إيران، تركيا.
وفي هذا السياق، علمت "زمان الوصل" من مصادرها أن جوا من القلق يعتري مرتزقة الفوعة وكفريا، مخافة اتفاق يقضي بإجلائهم نهائيا عن البلدتين مع ما تبقى من مدنيين هناك، تنفيذا لتفاهمات "أستانة"، وهو ما يعدونه –إن تم- طعنة جديدة من إيران التي نصبت نفسها وصيا عليهم ومدافعا عنهم.
كما ينظر موالون للنظام وشبيحة من إدلب، سبق أن فروا منها عقب تحريرها.. ينظرون إلى تثبيت مزيد من النقاط التركية بسخط واضح، لأنه يعني أنه باتوا ممنوعين من التقدم نحو مناطق "الإرهابيين" ليعلموا فيها قتلا ونهبا (تعفيشا) كما سبق وفعلوا في كل منطقة دخلوها.
ويحس الشبيحة المتحدرون من مناطق مختلفة في إدلب بحنق مضاعف إزاء هذا الأمر، لأنه في نظرهم سـ"يحرمهم" من العودة إلى منازلهم وأملاكهم التي خلفوها، كما سيضيع عليهم فرصة الانتقام من الثوار والمعارضين والتنكيل بهم وتشريدهم إلى خارج المحافظة.

وسبق لـ"سهيل الحسن" المعروف بأنه ضابط "بوتين" المفضل في سوريا، أن شن هجوما عسكريا عنيفا على الريف الإدلبي، ما لبث أن توقف مطلع شباط/فبراير الماضي، رغم أن القوات المهاجمة كانت تتقدم في المنطقة المستهدفة بشكل سريع.
وتقول مصادر لـ"زمان الوصل" إن "سهيل حسن" عمد وقتها إلى خرق الخطوط المرسومة على الخرائط والمتفق عليها بين الدول الثلاث، وهو ما استدعى إصدار أمر بإيقاف فوري لحملته، قبل أن يتوغل أكثر محاولا تعويم نفسه أكثر بين الموالين، وتعزيز صورته كـ"بطل" لايهزم ولا يتراجع عن أي هجوم قبل أن يحقق أهدافه.
وتشير المصادر إلى أن الجانب التركي ينتظر أن "يقبض" في الشمال ما "أنفقه" في مناطق أخرى من سوريا، وهي معادلة مضبوطة إلى حد كبير بقوانين "البازار" المعروفة، ولكنها في نفس الوقت غير بعيدة عن تقلبات السياسة والتحالفات والتحركات والتدخلات التي يمكن أن تبرز كل حين، فتدفع طرفا للتنازل عن بقعة كان "مُتفقا" على بقائه فيها، أو تغريه بالسيطرة على منطقة كانت "مُحرمة" عليه.
ويبدو رعاة "أستانة" الثلاث (روسيا، إيران، أنقرة) وكأنهم يتحركون ككتلة واحدة ومتجانسة في سوريا، لاسيما عندما يتعلق الأمر برسم خطوط تماس ميدانية جديدة بين مختلف الأطراف، ولكن هذه الدول في الحقيقة ما تزال تتربص ببعضها بشكل أو بآخر، وما يجمعها حاليا هو رغبة كل دولة منها في أن "تلجم" الدولة الأخرى من يقع تحت "ولايتها" حتى لا يفسد "طبخة" المصالح الخاصة بها، وبهذا المعنى تتدخل تركيا مثلا لمصلحة روسيا في منطقة ما، مقابل أن تتدخل موسكو لمصلحة أنقرة في منطقة أخرى.. وهلم جرا، فيما يبقى السوريون أبعد ما يكونون عن الملف السوري.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية