مثل "حسون" وأشباهه لوى مرشد "ترامب" الدين أعناق نصوص الإنجيل ليبرر كراهيته ورفضه استقبال السوريين.
اليهود يستحقون النار والكاثوليك من رجس الشيطان، أما المسلمون فدينهم شرير وزائف.
مثّل مشهد افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة لشعوب المنطقة على الأقل.. مثّل مشهد كارثيا غارقا في السوداوية جعلت كثيرا منهم يشيحون عن "العرض" بأكمله، ولا يلتفتون نهائيا إلى التفاصيل التي يكمن "الشيطان" فيها!
ولعل من أهم تلك التفاصيل، أن ترسل واشنطن إلى ذلك "الاحتفال" المرشد الديني الأبرز للرئيس الأمريكي، والذين يمكن عده بمثابة "مفتي ترامب"، أو حتى "حسونه"، لتشابهه مع مفتي بشار الأسد (أحمد حسون) في أكثر من نقطة، وأبرزها العداء للسوريين فضلا عن التملق الفاقع لـ"الرئيس" وشرعنة قراراته وتصرفاته استنادا إلى "النص الديني".
*انتهت الحملة وبقيت وظيفته
فقد أوفدت الإدارة الأمريكية زعيم كنيسة المعمدانيين في دلاس بتكساس (القس روبرت جيفريس) ليشارك و"يبارك بصلواته" افتتاح سفارة واشنطن على أرض محتلة، وهو الرجل الذي لم يوفر عددا من الأديان (السماوية واللاسماوية)، وحتى الطوائف المسيحية، من شر انتقاده و"تكفيره"، حيث ساق كثيرا منها واحدة تلو الأخرى إلى "الجحيم"؛ لأنها تستحقه.
"جيفريس" الذي كان ضمن "المجلس الاستشاري الإنجيلي" لترامب إبان حملته الانتخابية، وقع عليه اختيار الأخير ليكون -من بين آلاف القساوسة والرهبان في الولايات المتحدة- خطيب حفل تنصيب "ترامب" رئيسا للولايات المتحدة.
ورغم أن حملة "ترامب" انتهت وظيفتها بفوزه، فإن "جيفريس" لم تنته وظيفته وبقي في مقدمة "المستشارين الإنجيليين" للرئيس، بل وأشد القساوسة المقربين إليه، والذين يأخذ بــ"فتاواهم" وآرائهم.
وعلى هذا الأساس، كان إصرار "ترامب" على إيفاد "جيفريس" إلى حفل افتتاح سفارة واشنطن في القدس المحتلة، متحديا –أي "ترامب"- كل الانتقادات التي واجهها "جيفريس" بناء على سجله الأسود تجاه مختلف الأديان، بما فيها الديانة اليهودية، التي رأى صراحة أن أتباعها يستحقون "الذهاب إلى الجحيم".
ولم يتوقف "جيفريس" عند اليهود، بل إنه هاجم أبناء جلدته الذي يفترض أنه مسيحي مثلهم وإن انتموا لطوائف أخرى، فقد وصف "الكنيسة الكاثوليكية" التي يتبعها مئات الملايين بأنها من "رجس الشيطان"، ورأى أن طائفة "المورمون" مبتدعون مصيرهم النار.
"جيفريس" الذي يقف ضد معظم من لاينتمون لمذهبه ويعتقدون بعقيدته، يحجز مكانا واسعا في باحة تكفيره للمسلمين، فهؤلاء في نظره أتباع ديانة "شريرة، عنفية، وزائفة".
ولكن ما دفعنا لتخصيص تقرير مستقل عن "جيفريس" ليس كل ما ذكر أعلاه على "فداحته"، كونه واضحا من استقراء سريع لتاريخه، إنما هو موقفه العدائي السافر من السوريين وتحريضه على عدم استقبالهم نهائيا في بلاده (الولايات المتحدة)، وذهابه إلى حد القول، بأنه إن كان ولابد من استقبال سوريين فليكونوا من "الأقلية المسيحية المضطهدة" في سوريا.
*مقاربات عجيبة
بحسب سلسلة مقالات كتبها أو تصريحات أدلى بها، واطلعت "زمان الوصل" عليها، فإن "جيفريس" لم يوارب لحظة في موقفه التحريضي ضد السوريين، وكان في معظم ما يقول مستندا إلى "اقتباسات إنجيلية" يعرضها حسب فهمه وتفسيره.
واللافت أن "جيفريس" تصدى لإطلاق موجة من العدوانية تجاه السوريين، بعيد واحدة من أشد فترات الحرب السورية كارثية، وأحرج لحظات الإدارة الأمريكية سياسيا وأخلاقيا تجاه إنقاذ ضحايا هذه الحرب.
ففي مطلع أيلول/ سبتمبر 2013، وبعد أيام قليلة من مجزرة الكيماوي الكبرى في غوطتي دمشق، والتي أودت بحياة قرابة 1500 شخص، بينهم مئات الأطفال، انبرى "جيفريس" لكتابة مقال مثير في توقيته وعجيب في مقارباته ومقارناته.
فبحجة مهاجمة سياسة "أوباما" (رئيس أمريكا حينها) تجاه الإجهاض، نشر "جيفريس" مقالا في 8 أيلول/ 2013، اعتبر فيه أن "أوباما" يحاول "إثارة غضبنا الأمريكيين تجاه الرئيس السوري بشار الأسد بسبب قصفه بالغاز مئات من الأطفال السوريين"، وأن هذه المحاولة –حسب رأي القس- لن تكون ناجعة ما لم يظهر "الرئيس وأنصاره نفس الشفقة على أكثر من مليون طفل في بلدنا، انتهت حيواتهم عبر عمليات الإجهاض في العام الماضي".
وتابع القس ربطه العجيب بين الأمرين، قائلا: "لماذا الإبادة الجماعية في سوريا لا تطاق في حين أن قتل الأطفال في بلادنا لا يُسمح به فقط بل يعتبر حقا دستوريا؟ وبأي سلطة أخلاقية نحرم زعيم دولة أخرى من حرية الاختيار في إبادة شعبه، ومع ذلك تمكين مواطنينا من قتل أبنائهم وحتى توفير مئات الملايين من ضرائب الدولارات إلى منظمة الأبوة المخططة لتنفيذ الإعدام؟".
وفي مسعى استباقي لإسكات أي صوت منتقد أو مسخف للربط بين قضيتين متباعدتين ظرفا ومكانا وملابسات، أضاف القس: "يمكنني سماع النباح الليبراليين في شمال تكساس وأنا أكتب هذه الكلمات، (وهم يقولون): ليس هناك معادلة أخلاقية بين أعمال الأسد الشريرة ضد شعبه، والخيار الشخصي المؤلم للأم لإنهاء الحمل".
وقد تبدو كلمات "جيفريس" هنا محقة للغاي،ة لاسيما أنه طالب باعتماد "قانون أخلاقي موحد" يحرم قتل الأطفال أينما كان وبأي شكل كان، ولكن الاطلاع على سجل القس ودعواته المتطرفة كفيلة بإزالة هذه الغشاوة، والتأكيد على أن ما تلفظ به "جيفريس" لايعدو تطبيقا للمقولة المعروفة "كلمة حق أريد بها باطل".
.. هذا الباطل يتجلى بشكل أكثر وضوحا، عبر مواقف "جيفريس" المعلنة من قضية مساعدة اللاجئين السوريين، ورفض استقبال ولو قسم بسيط منهم في الدولة التي تضع نفسها في مرتبة "القوة العظمى"، وتتغنى بقيم الحرية والعدالة و...
*"حلال" حتى دستوريا
ففي مطلع 2017، وبعد وصوله سدة الرئاسة، استهل "ترامب" عمله في البيت الأبيض بقرار يحظر دخول السوريين إلى الولايات المتحدة (وهو الدخول الذي كان مقيدا إلى أبعد الحدود بالأساس)، وبنفس مسارعة "ترامب" وحماسه، هبّ مستشاره الديني ومفتيه "جيفريس" للدفاع عن هذا القرار، بل والقول إن الحكومة الأمريكية ليس عليها بموجب تعاليم "الإنجيل" أي التزام أخلاقي تجاه مساعدة اللاجئين السوريين الفارين من الموت والقهر والدمار.
وكحال فقهاء السلاطين في الدول المتخلفة (أحمد حسون مثلا)، التف القس حتى على إنجيله الذي يدعي الإيمان به، قائلا: "نصوص الكتاب المقدس تأمر المسيحيين كأفراد وتأمر الكنائس برحمة المحتاجين، لكن ليس في الكتاب المقدس أبدا ما يوجب على الحكومة أن تتصرف وكأنها قديس".
ولم يكتف "جيفريس" بهذا، بل إنه أعلن بكل صراحة أن يؤيد قرار الحظر من "صميم قلبه"، وأن قرار "ترامب" يوافق "تعليمات الكتاب المقدس التي ترى أن من واجب الحكومة حماية مواطنيها"، وحتى يكشف عن كل دوافعه الكامنة وراء هذا التأييد الذي ينافي أبسط حقوق الحماية لضحايا الحروب، أقر "مفتي ترامب" بأنه يؤيد الاستثناء الذي يعفي "الأقليات الدينية المضطهدة"، وهو ما يعني تفضيل المسيحيين الموجودين في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، حتى وإن كان الكثير من ضحايا الحروب والهجمات الإرهابية مسلمون.
"جيفريس" الذي يحرص على تقديم اسمه بحرف "د" كناية عن حمله شهادة الدكتوراة، لم يشرعن حظر استقبال السوريين من الناحية الإنجيلية فقط، بل إنها "أفتى" له بأن الحظر "حلال" من الناحية الدستورية، قائلا: "لا يوجد شيء غير دستوري في سياسات الرئيس ترامب (حيال هذا الحظر)، لأن الأشخاص غير الأمريكيين الذين يسعون إلى دخول بلادنا، ليس لديهم حقوق دستورية".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية