"في الحرب علينا أن نسمع كل الأصوات لا صوت القصف والقتل والفتن والنعرات الطائفية. علينا أن نحب أيضاً"، بهذه الكلمات الموحية يقدم الروائي السوري الشاب "محمد عبد الستار ابراهيم" لروايته "قصة حبٍ في قلب معركة (Amûdê)" التي تدور أحداثها حول "انتفاضة 2004"، وجعل من شهداء مجزرة "عامودا" أبطال الرواية، وقتل في تلك المجزرة 6 مواطنين على أيدي الميليشيات الكردية الموالية لنظام الأسد، في حزيران يونيو/2013، واختار الكاتب الكردي "محمد عبد الستار إبراهيم"، شهداء مجزرة "عامودا" عام 2013، "آراس" و"سعد" و"نادر" و"علي" و"برزان" و"شيخموس"، ليكونوا أبطالاً للرواية التي نسج فيها بأسلوب أدبي ممتع قصة من قصص الحب والحرب، وتدور أحداث الرواية الصادرة عن دار "عمار" للنشر والتوزيع، في العاصمة الأردنية عمان حول قصة عشق بين ثائر كردي مجهول الهوية، وفتاة كردية ثورية، يجمع القدر بينهما في معركة ما، وتبدأ الحياة والمأساة سوياً.
وينحدر الروائي "ابراهيم" من مدينة "عامودا" غير أنه ولد وعاش في القامشلي ومن بعدها الحسكة التي عاش فيها 3 سنوات قبل أن يعود إلى مسقط رأسه، وقبل نشوب الحرب انتقل مع عائلته إلى الأردن، التي لم يلبث أن غادرها عائداً إلى سوريا في تشرين الأول من عام 2007 في إجازة لمدة أسبوع، ولكنه -كما يروي لـ"زمان الوصل"- منع من السفر لعدم امتلاكه لجواز سفر بعد انتهائه ورفضهم تجديده وبعد خروجه إلى الأردن لم يعد إلى بلاده منذ بداية العام 2010.
تتخذ رواية "قصة حبٍ في قلب معركة (Amûdê)" من مدينة "عامودا" مسرحاً لها، وهي ليست مدينة عادية يمكن المرور عليها مرور الكرام بل شكلت علامة ثقافية وثورية فارقة في سوريا منذ القرن الماضي، وهي وإن كانت مدينة ريفية بسيطة لكنها شعلة من النار.
ويروي محدثنا أن مدينته شهدت تشكيل أول حزب سياسي كردي في سوريا أثبتت نفسها -كما يقول- في انتفاضة 2004 عندما قام أهلها الأشاوس بكسر صنم حافظ الأسد في حادثة هي الأولى من نوعها في تاريخ حزب البعث.
وأشار "ابراهيم" إلى أنه كان يرغب بكتابة رواية تتناول بين طياتها جانباً من الثقافة الكردية وانتفاضة 2004 لوضعها في المكتبة العربية حتى يتعرف الشعب العربي شريك الوطن والأرض على ثقافة الأكراد من خلال أبنائها لا من خلال الإعلام المسيس المثير للفتن، ولكن مجزرة "عامودا" بتاريخ 2762013، غيرت فكرته نوعاً ما، وعدل على المخطط الذي كان في باله، فقرر أن يصنع رواية تتحدث عن شهداء هذه المجزرة الست، فخرج برواية "قصة حبٍ في قلب معركة (Amûdê)" التي أنهاها في كانون الأول ديسمبر/2017.
وأبان محدثنا أنه لم يكن سهلاً أن يكتب عن أقرب الأشياء إلى قلبه وهو مغتربٌ عنها منذ زمن لم يعد للعد فيه قيمة.

ولم يكن سهلاً أن يتجول في حارات وطنه وهو المفتون شوقاً، ولم يكن من السهل أن يكتب عن مأساة شعبه ولعنة هذا الانتماء مازالت تتبعه.
"ابراهيم" لفت إلى أنه اختار أن تكون روايته عن الحب في زمن الحرب ليقينه بأن "الحب يشعرنا بأننا بشر في وقت كثرت فيه الدماء والمشاهد التي تجردنا من إنسانيتنا، علينا أن نحب حتى نحافظ على هذه الإنسانية".
وحول تركيز روايته على الحالة التي عاشها الأكراد قبل الحرب السورية وعدم التركيز على واقع يبدو أكثر إلحاحاً للتعبير عنه، أبان محدثنا أن الكرد لم يعانوا من الاضطهاد السياسي والتعليمي والجغرافي وغيره، إنما عانوا مما هو أشد وهو الاضطهاد الثقافي، حيث ظلمهم التاريخ وظلمتهم الأنظمة حتى اعتادوا الظلم فظلموا أنفسهم.
وأكد محدثنا أن روايته لم تقتصر على الحالة الكردية بل تضمنت إشارات لمجزرة حماة ومشهداً من الجولان ومن البحر الميت وعمان وجرش في الأردن.. إلخ والكثير من الروايات -حسب قوله- تأخذ من مدينة ما ساحة لاستعراض الأحداث.
الكاتب المتحدر من مدينة "عامودا" أشار إلى أن إنصاف الثورة العظيمة التي يقوم بها السوريون يحتاج للتروي، فمازال السوريون -كما يقول- في قوقعة وضجيج وصخب ويريد الكثيرون جرّنا إلى ما لا نريد التوجه إليه حتى يأتي يوم نعرف فيها النهاية وتصبح الصورة أكثر وضوحاً.
واستدرك أن هناك قصصاً في الثورة لا يمكن التوقف عندها وهي فوق أي عقل، وسيأتي زمان سنكون بحاجة ماسة للكتابة عنها، مشيراً إلى أنه ذكر في روايته جوانب من "مجزرة الساعة" في حمص والمجزرة الشهيرة في "داريا" عام 2012، ومجاعة "الزبداني".
وحول مقولة أن الرواية هي تاريخ متخيل داخل التاريخ الموضوعي ومدى اعتماده على التخييل في نسج خيوط روايته أوضح الكاتب الشاب أن "هناك ضرورات روائية تفرض نفسها على الكاتب، وما تسمى بشكل مباشر بالمبالغة في وصف المشاهد، أو الفانتازيا أمر موجود بكل رواية ويعد أساسها"، وهذا لا يعني -كما يوضح- أن نبتعد عن الواقع أو نزيفه، لأنه ليس من مهمة الروائي أن يكون توثيقياً بقدر ما يكون أدبياً في طرحه، وتابع أن "الرواية ترتكز على حدث حقيقي وقاعدة أساسية، ولكن لابد للكاتب الروائي من الاستعانة بمخيلته لإضافة مشاهد تزيد من متعة وتشويق الرواية، ليترك شغفاً وتأثيراً عند القارىء ويجذبه".
وحول انشغالاته الأدبية كشف ابراهيم أن لديه رواية قيد الإنجاز عن الشاعر "نزار قباني" ورواية ستحمل يوماً أسم "حبيبتي" لأنها قضيته الأساسية -كما يقول- وكذلك الكثير من المشاريع التي دونها، ولكنها بحاجة للتفرغ لكتابتها، فالكاتب في شرقنا عليه -كما يقول- عليه أن يعمل ويعمل حتى يصرف على نفسه، لا أن تصرف عليه رواياته أو أعماله بشكل عام.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية