رغم أنه يقترب من الإعاقة الذهنية، أو يصلها حقيقة، إلا أنه لا شك يفكر بمستوى معين لا يمكن تحديده بدقة، بشار الأسد اليوم مشغول بالدرجة الأولى بالبحث عن الخروج مما هو فيه حيّا مع أولاده وبعض ثروته، يفتّش عن "خرم إبرة" يعبره إلى مكان يتمناه مجهولا للجميع لأنه بات مطلوبا من الجميع، حتى من حُماته وشركائه.
يعيش اليوم تحت التهديد بالاغتيال من قبل قاسم سليماني وبقية الميليشيات الطائفية التي عبرت الحدود لنصرته أولتحقيق غاياتهم بوساطته، قاسم وهؤلاء يدركون أن الأسد يفضّل إسرائيل عليهم، كيف لا، وهو وريث ربيب الدولة العبرية في سورية، وهو المؤتمن على حدودها والموثوق الجانب تماما.
على قصوره الذهني يستطيع بشار الأسد إدراك مغزى رسالة نتنياهو له جيدا، وقد كانت مبسّطة وسهلة، إدراكا من رئيس وزراء إسرائيل أنه عسير الفهم، وفحواها حرفيا حسب الترجمة كما قال بنفسه "أرسلت إلى الأسد أبلغه أنه ليس هدفا لنا، إننا نضرب الحرس الثوري وفيلق القدس"، الرسالة تحمل التهديد الواضح بأن الأسد سيكون هدفا إن مال إلى جهة المستَهدفين.
"بشار" وضع نفسه في هذا المأزق لأنه كان مقتنعا على الدوام بتوأمة المصالح الإيرانية الإسرائيلية، التي ستمنحه فرصة الحكم إلى الأبد، وكلاهما السند والشريك، ولكنه نسي أن الدولة العبرية لا تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط أن تتمدد وتغدو قوية، كل دول المنطقة عليها التفكير كثيرا قبل المغامرة بالإقدام على خطوة التعاظم، إلا إن كانت تسعى للتدمير الذاتي، حيث لم يفعل شيئا لوقف تدفق القوة الإيراني إلى سورية حتى تجاوز ما تسمح به إسرائيل، فوصل إلى اليوم الذي عليه أن يتخذ قرارا ينفذه عمليا، فإما أن يكون مع إسرائيل ضد إيران، وبالتالي تغتاله الميليشيات الطائفية الشيعية، أو أن ينحاز لشريكه في قتل السوريين، وعليه يغدو هدفا سهلا لإسرائيل التي تعرف من خلاله وعملائها بفريقه المقرّب متى يدخل إلى الحمّام.
لم يفكر كثيرا، وليس لديه خيار التفكير أصلا، انحاز فورا للدولة التي صنعت والده الذي أورثه الحكم، وانقلب على الشريك الطائفي، لم يصرّح بذلك، لأنه لو فعل، لقُتل منتحرا بخمسين رصاصة في رأسه يضعها سليماني، بل زاد على ذلك بأن ادعى الرد على "العدوان الإسرائيلي" بقصف الجولان بعشرين "فتيشة"، ولعل إسرائيل ذاتها من أوعز له بهذا الرد فتحمّله للميليشيات الإيرانية، لتقنع العالم بحقها بقصف الإيرانيين في سوريا.
يتكئ الأسد بموقفه غير المعلن هذا على مساندة الروس له، الذين باعوا إيران مثله أيضا إرضاء للاعب الأقوى إسرائيل، ولعلّ أكثر ما يشغل تفكيره اليوم هو كيفية إبعاد الميليشيات الإيرانية عن دمشق أو أقله عن قصره في المهاجرين، أملا في النجاة منهم وفتح طريق لاستمراره حيّا، ولكن غباءه سيقوده للركون لفكرة حماية إسرائيل له لاحقا، إن هو نجا من براثن سليماني، وهذا لن يكون، لأن الدولة العبرية لن تسمح بأن تُسَجَّل نقطة بكل هذا السواد بصفحة تدخلها بالشأن السوري، وسترديه قتيلا، ولعلها تتولى حمايته حقّاً حتى تقرر بهدوء موعد تصفيته وتقديمه قربانا لمشاركتها في العرس السوري.
وهذا هو الاحتمال الأكثر ترجيحا، لا سيما أن إسرائيل تدرك جيدا أن بمقدورها أن تأتي بمن يواليها ويحمي حدودها مثله أو أكثر في أي وقت، فمن أنصاره كثيرون، والمتأسلمون جاهزون، وكثير من المعارضين وقادة الفصائل مستعدون لذلك ونيّف.
فليفكّر الأسد كما يشاء، إنه مقتول لا محالة بيد شركائه في القتل أو على يد صانعيه وحُماته، ولعل الميتتين أسهل عليه من أن تصل إليه أيادي السوريين المنكوبين به ومنه ومن والده من قبله، طبعا.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية