روسيا في سوريا إلى زاوية "اليَكّ".. عبد السلام حاج بكري*

يذكّر الموقف الروسي من القصف الإسرائيلي والغربي لمواقع بشار الأسد في سوريا بالموقف السوري بقيادة حافظ الأسد من اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان وبيروت في العام 1982، الدولتان اتخذتا موقع المتفرج السلبي على ما يجري، حافظ وبوتين كان لهما ردتّا فعل تشابهت نتائجها وإن اختلفت سلوكا.
حافظ الأسد أخرج مشهد تصدي الطيران السوري "المقاوم" للطيران الإسرائيلي في سماء لبنان، حيث تعمّد التضحية بأكثر من مائة طائرة من طراز "ميغ 21" (على وضاعتها التقنية)، مقابل مكسبين سعى وخطط لهما جيدا، تمثل الأول بإبراز عدم وقوفه مكتوف اليدين حيال الاجتياح الإسرائيلي، وهو الذي يحتل لبنان ويسيطر عليها، أما الثاني فكان التخلص ممن تبقى من الطيارين من أبناء الطائفة السنيّة في سلاحه الجوي، وهو المحظور على من يُشكّ بولائه المطلق.
أما بوتين فردّ على القصف الغربي لسوريا، وهو الذي يمتلك قواعد عسكرية فيها ويعربد سلاحه الجوي بسمائها بدفع ماكينته الإعلامية للترويج بتصدي سلاح الدفاع الجوي السوري "إنتاج روسي" لغالبية صواريخ "توماهوك" التي استهدفت مواقع للنظام السوري، وادعى أن الضربات تمت بالتنسيق معه، وهذا عاد بمردود عكسي عليه، حيث بدا وكأنه الراعي والذئب في آن.
روسيا في موقف محرج اليوم، تبدو وكأنها تبحث عن حلّ ما "أي حل" في سوريا، بعد أن ضمنت وجودا عسكريا دائما واستثمارات اقتصادية كبيرة، في ظل ضغط غربي لا يتوقف ارتقى حتى التصعيد العسكري الذي لم تجد معه سبيلا للتعامل، فلا هي تريد المواجهة العسكرية، ولا تستطيع الصمت طويلا على استهداف مواقع النظام، وهي تدرك تماما أن الضربات التي تعرضت لها قاعدتها في "حميميم" لم تكن لتتم لولا الرعاية الغربية لها، وهي تحمل رسائل شديدة اللهجة تجاهها.
يصرّ الغرب على استهداف مواقع إنتاج وتخزين كيماوي الأسد، وهو في كل يوم يشير إلى أن النظام السوري لا يزال يمتلك الكثير منها ويبدي استعداده لمواصلة ضربها، وهذا ما دفع روسيا للمسارعة بإحضار شهود الزور من أطباء وسكان الغوطة إلى "لاهاي" لنفي الاتهام الغربي لبشار الأسد بقصف "دوما" بالسلاح الكيميائي سعيا لقطع الطريق وتغييب المبرر لتجديد القصف على سوريا التي تتعامل معها روسية وكأنها محميّة لها.
تشير التصريحات الروسية مؤخرا إلى أنها باتت ترضى بتقسيم سوريا، وهي التي دأبت على الادعاء بأن الغرب يريد ذلك، وهي التي تقف في وجه هذا المشروع، وبات واضحا بأن حرجها بلغ ذروته وتستعد لتقديم الكثير حتى لا يزداد هذا الحرج.
في المقابل يبدو أن الغرب بقيادة أمريكا سحب التفويض من روسيا بالشأن السوري، ويسعى كل طرف لملء دلوه بنفسه من نهر المكاسب في سوريا، وما الصواريخ البريطانية التي شاركت بضرب مواقع الأسد، وكذلك وصول الجنود الفرنسيين في "منبج" والشمال إلا دليل يؤكد بأن هذه الأطراف لم تعد تقبل بما توافق روسيا على تقديمه لها.
كل المؤشرات تسير باتجاه تصعيد إعلامي غربي يركز على امتلاك النظام لمزيد من المخزون الكيماوي، وظهور أدلة جديدة على قصفه لـ"دوما" بهذا السلاح، وبالتالي إمكانية استهدافه مجددا في أي وقت، يقابله سعي روسي حثيث لتأكيد عدم صحة هذه الاتهامات أو إيجاد تسوية سريعة قد تفاجئ الغرب تتمثل بقبولها تنحية بشار أو ربما تغييبه عن الساحة.
فيما تنشغل إسرائيل بالترويج لحرب ضد إيران للحدّ من قدراتها الصاروخية بعيدة المدى التي أدخلتها إلى سوريا، وهذا خط أحمر بالنسبة لها رغم عدم صدقية عدائها لإيران، وفي هذا السياق تحاول جرّ الغرب لمشاركتها بضرب مخزون السلاح الإيراني، مستغلة غضب أمريكا من الاتفاق النووي وسعيها لتعديله أو حتى إلغائه.
الساحة السورية تتورم، والعملية الجراحية قادمة بخطى متسارعة فإما تسوية ينكفئ فيها الدور الإيراني في سوريا وتعود الميليشيات من حيث أتت، ويغيب عنها من استخدم الكيماوي ضد شعبه، أو ضربات صاروخية وجوية تقود الجميع إلى طاولة الحل وفق الرؤية الغربية الإسرائيلية، وهذا ما لا تريده روسيا لأنه يركنها في زاوية "اليك"، ولكن ذلك لا يعني أنها قد تفكر بالرد.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية