أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لماذا بقي الأسد ورحل الآخرون (2-4).. فؤاد حميرة*

أرشيف

قلنا في المقال السابق إن حدة الصراعات الطائفية بين العسكر ارتفعت وازدادت دموية، بعد فشل انقلاب سليم حاطوم والتخلص من أنصاره في صفوف الجيش، وكانت قبلها حركة المقدم عبد الكريم النحلاوي قد أدخلت الضباط السنة في حركة من التصفيات والتصفيات المضادة، حتى حركة أمين الحافظ الذي شكل تجمعا للضباط السنة رفض أن يكون فيه أي ضابط علوي، وبالرغم من أن الضابط العلويين لم يتدخلوا في كل تلك المعارك السابقة على انقلاب حاطوم الفاشل، إلا أنهم كانوا يراقبون مجريات الأحداث ونتائجها بدقة بهدف الاستفادة من الأوضاع التي انتهى إليها الصراع الطائفي داخل المؤسسة العسكرية، ما أثمر في نهاية المطاف إلى تسيد ثلاثة من الضباط العلويين للحياة العسكرية والمدنية في الدولة، فكان محمد عمران وزيرا للدفاع وحافظ الأسد قائدا للقوى الجوية وصلاح جديد الامين العام المساعد للقيادة القطرية في الحزب، وكان الثلاثة أعضاء في اللجنة الحزبية العسكرية المسؤولة عن حركة التنقلات في الضباط والقيادات.

ومع طرد محمد عمران من الحزب ولجوئه إلى لبنان واغتياله على يد مخابرات الأسد فيما بعد، برز كل من صلاح جديد الذي كان بالرغم من منصبه المدني يجمع حوله عددا من الضباط غاليتهم من الطائفة العلوية والشخصية الثانية كان حافظ الأسد الذي تسلم مهام وزارة الدفاع، وجمع حوله أيضا عددا من الضباط غالبيتهم من العلويين، فتأسست في الجيش كتلتان عسكريتان، من طائفة واحدة، على عكس ما كان سابقا، أي التجمع على أساس وحدة ضباط أبناء الطائفة الواحدة خلف شخصية تمثلهم، لقد تبدل الوضع، كما يقول نيكولاس فادام في (الصراع على السلطة في سوريا) وبات الصراع ليس بين طوائف بل بين أبناء الطائفة الواحدة على تزعم السلطة وعلى الرغم من أن قطبي الصراع (الأسد وجديد) قد استفادا من دروس تصفية الخصوم من طائفة واحدة عقب حركة النحلاوي، إلا أنهما لم يمتلكا الفرصة للاستفادة من دروس وعبر تلك الحركة، فنشب الصراع بينهما ليس على السلطة فقط، وإنما على زعامة الطائفة العلوية وأحقية تمثيلها، ولقد اعتمد الطرفان أيضا على بعض الضباط من الطوائف الأخرى كنوع من التقية العسكرية هذه المرة، فكان عبد الكريم الجندي من الطائفة الاسماعيلية أشد المخلصين لتيار جديد، وكان يشغل منصب مدير المخابرات، (انتحر بعد انقلاب الأسد ومصادرة مكتبه واعتقال مساعديه)، إضافة إلى أحمد سويداني أحد الضباط السنة من سهل حوران، فيما وقف مصطفى طلاس بقوة وإخلاص إلى جانب الأسد.

بات الصراع على السلطة الآن علويا، أي داخل الطائفة وعليها، وقد جرى الكثير من التصفيات بين عامي 1968 و1970 بين القطبين المتنافسين، ولم تنجح كل المؤتمرات القطرية الاستثنائية التي عقدها الحزب في ردم الهوة بين الأسد وجديد، ولم يعد ممكنا التغطية على هذا الصراع الذي انفجر وظهر للعلن، فكان لا بد من إعطائه بعدا سياسيا، ينفي عنه سمة الطائفية، بل والعشائرية أيضا (ضمن الطائفة) فأعلن الأسد وجناحه أنه لابد من العمل القومي لمواجهة إسرائيل، وأنه يجب الانفتاح على الدول العربية حتى وإن كانت (رجعية) مثل الأردن والسعودية وغيرهما، فيما عارض تيار جديد هذا التوجه مولين الأهمية لعملية بناء التحول الاشتراكي للدولة والمجتمع ولو كان على حساب القضية الفلسطينية معلنين استعدادهم لتعاون أوثق مع الدول الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، مؤكدين في الوقت ذاته على أن الدول العربية التي وسموها بـ(الرجعية) لن تساعد في بناء مجتمعات تقدمية واشتراكية.

تحت هذه الشعارات احتدم الصراع بين القطبين على زعامة الطائفة العلوية أولا ومن ثم الزعامة السياسية والعسكرية ثانيا، ولا أدل على ذلك من أن معظم التصفيات التي جرت بين الفريقين كانت محافظة اللاذقية (وكانت تشمل طرطوس أيضا) ساحتها الأساس إن على الصعيد الحزبي – المدني أو العسكري، ويسجل فان دام الكثير من حوادث التصفية بين القطبين كان ضحيتها أبناء الطائفة العلوية تحديدا والذين عانوا الإقصاء والتسريح التعسفي والسجن والإقامة الجبرية وأحيانا الاغتيال، كنتيجة لهذا الصراع.

لم يكن هدف الأسد في هذا الصراع، إثبات أنه يمثل طموحات الطائفة ومصالحها، بل إثبات أنه الممثل الوحيد للطائفة ولكل تطلعاتها، ومن أجل تحقيق هذا الغرض لجأ الأسد إلى سياسته المعروفة (فرق تسد) حتى داخل الطائفة ذاتها، فقام بإبعاد الضباط العلويين المؤيدين لجديد ونقلهم إلى مناصب عسكرية أقل اهمية وكان في مقدمتهم المقدم عزت جديد الذي كان يشغل منصب قائد اللواء سبعين ذي الأهمية الكبيرة لقربه من العاصمة.

من المعروف أن الطائفة العلوية وبحكم الجغرافية، تعتبر من الطوائف المتماسكة، فهي تعيش في حيز جغرافي يشمل الساحل السوري بجباله، وليست طائفة مفتتة جغرافيا، كالمسيحيين مثلا الذين يتوزعون على كل المدن والأرياف في سوريا أو كالشيعة، حتى أن كتب المنهاج الدراسي كانت تسمي منطقة الساحل حتى أواخر السبعينيات بمنطقة جبال العلويين، كما أن العديد من المؤسسات الحكومية المعنية كانت تستعمل ذات التسمية في الدلالة على الساحل، حتى جرى تغييرها في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، واستعيض عنها بلفظة (الجبال الساحلية).

إذاً العلويون طائفة متماسكة، وهذا ما كان يقوض نجاحات الأسد في حربه ضد جديد، وليس صحيحا أن الأسد اعتمد على ضباط علويين لا يحملون الهوية السورية، أي أنهم من أبناء لواء اسكندورنة الذي تم إلحاقه بتركيا وصار اسمه إقليم "هاتاي"، فقد اعتمد على ضباط علويين من عشيرته الكلبية بالذات بهدف إحداث شرخ وصراع عشائري ضمن صفوف وعشائر الطائفة ذاتها، فلتحقيق نجاح على المستوى الوطني والإقليمي لا بد من تحقيق النجاح أولا على مستوى الطائفة أو المنطقة، هذا هو منطق العقل الديكتاتوري الذي يسعى للسلطة.
يتبع..

*من كتاب "زمان الوصل"
(199)    هل أعجبتك المقالة (202)

2018-05-04

"وليس صحيحا أن الأسد اعتمد على ضباط علويين لا يحملون الهوية السورية، أي أنهم من أبناء لواء اسكندورنة" كلام غير دقيق - علي مملوك علوي من اسكندرون.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي