هل تقهقرت صحافة الثورة كما كل الملفات التي حلم السوريون بتغييرها ذات يوم من 2011 عندما قرروا الثورة على نظام التعتيم والقمع وكم الأفواه...أم أنها لم تكن إلا محاولة فاشلة بلا أدوات تم انتهازها وتخوينها واستخدامها؟.
لن أناقش إن كان العاملون في صحافة الثورة هم أبناء مهنة أم لا لأكثر من سبب أقلها أن هناك من سيخرج ليقول إن المحترفين من الصحفيين اختاروا البقاء مع النظام أو جبنوا...وأن من حمل جواله وكاميرته العادية وطارد الموت وطارده هم شباب ناشطون دفعهتم الرغبة في التغيير لنقل ما يجري على الأرض من قتل وتدمير.
هناك من سيرمي الكرة أيضاً في مرمى المحترفين في أنهم (دقة قديمة) لم يطوروا أنفسهم ليواكبوا عصر السوشيشال ميديا، واختاروا صحافة الورق والصورة البائسة التي لا يراها العالم، وفي أنهم كثيراً ما تعالوا في التعامل مع الناشطين واعتبروا العمل معهم إهانة لخبرتهم ودورهم، وأنهم يجب أن يقودوا مؤسسات الثورة لا أن تترك في أيدي الصبيان الذي استطاعوا الحصول على تمويلات كبيرة رموها في مطاعم مدن جنوب تركيا وسواها من مدن اللجوء على مشاريع يرونها وحدهم، وصنعوا مؤسسات (دكاكين) عائلية أو شللية.
في المؤسسات العربية الكبرى التي حظي الملف السوري فيها بمساحة كبيرة كان الصراع بين من خرجوا أولاً من الصحفيين وبين المحترفين أصحاب الخبرات، وسيطر الأوائل من عديمي الخبرة على الفرص عندما بدأ التخوين والأحقية بالثورة يدخلان في تقييم العمل أو السيرة الذاتية للصحفي.
بعض هؤلاء أمسك بالفرصة هذه بكل ما يملك من قوة، وولم يسمح لأحد حتى من المساهمة في صوته ورايه مجاناً أو بدولارات قليلة، بينما يتم تحويل آلاف الدولارات له ولأسمائه المستعارة، وآخرون دفعهم جبنهم لاختراع عداوات وتهم لزملاء عملوا معاً في صحيفة واحدة ذات يوم.
بعض الدول العربية والأوروبية مولّت مؤسسات كبيرة باسم الثورة، وصرفت ملايين الدورات لتأسيسها وتدريب كوادرها المفترضة، ولم تعش هكذا مؤسسات أكثر من سنة أو اثنتين وتم استبدال الكوادر بأخرى من دول عربية لا تعنيها القضية السورية من قريب أو بعيد ذلك لأنه تم اختيار نفس الشلة الفاسدة التي ترى في العمل الصحفي فرصة لجمع آلاف الدولارات ثم التواري ريثما تأتي فرصة أخرى ويتم هدمها.
ملفات أمنية قتلت صحفيين سوريين في منافيهم، والسبب هو أن هؤلاء لعبوا أدوراً تجاوزت مهنتهم، وقدموا خدمات لأجهزة أمنية اودت برؤوسهم التي أطلق الرصاص عليها.
مشاريع تدريب، أخرى لتغطية اخبار المجالس المحلية والدفاع المدني والنقل ودعم بعض المهن تم التعامل معها من قبل صحفيين طارئين على المهنة ببدائية وغباء، وبعض هؤلاء يرى نفسه اليوم الصحفي الأول والمذيع الأول وشهبندر المهنة.
نعم قتل الناشطون المهنة رغم دورهم الكبير في الثورة، وقتل المحترفون أنفسهم عندما نأوا عن دورهم الأساسي وتاهوا في صراعات لا معنى لها، وتأسست مؤسسات لتحمي الصحفيين في دول اللجوء لم تكن أكثر من حلقة حزبية بعثية غبية.
أخفقت مؤسسات الثورة الصحفية لأنها كما كل المؤسسات كانت تابعة لمال التمويل (باستثناءات قليلة) ونجح القليل التي اعتمد المهنة قاعدة لعمله، وأما الثورة فهي عقيدة أبدية وإيمان لا ينقطع.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية