لم يكن ينقص البلد، بعد كل هذا الخراب الذي حل بها، سوى أن تصبح ساحة لحروب الغير على أرضها، إذ أن كل الأحداث تشير إلى أن مواجهة عسكرية إيرانية إسرائيلية، قادمة لا محالة، وهي إن وقعت بالفعل، فإنها ستعيد خلط الورقة السورية من جدي، لتنتج شكلا أسوأ من الصراع، ربما لم نكن نتوقع الوصول إليه.
أسوأ ما كنا نتصوره عن الوضع في سوريا، هو أن البلد ذاهبة للتقسيم، إلى التدمير، إلى التهجير، إلى التشييع.. وهل هناك ما هو أسوأ من ذلك؟
الأسوأ هو أن تتحول سوريا إلى ساحة للصراع الدائم والمستمر، وإلى أرض غير صالحة، لا للعيش الكريم، ولا للعيش السقيم.. فإما أن تكون قاتلا أو مقتولا.. وهو على ما يبدو ما تخطط له الدول الكبرى والإقليمية، ومن ضمنها إيران وإسرائيل، ذات المصلحة في تحقيق هذه المعادلة على الأرض السورية. وما يضيرهما ما دام كل ذلك يجري على أرض الغير ومن رأسمال الغير، البشري والعمراني؟!
اليوم وبلا مبالغة، حاجة إيران للحرب مع إسرائيل، أكثر من حاجة الأخيرة، لأنها وجدت نفسها أنها ستخرج من المولد السوري بلا حمص، نظرا للضغط الدولي الذي تتعرض له، والذي يهددها بأنه لن يسمح لها بالبقاء في سوريا والوصول إلى البحر المتوسط.. لذلك ليس من خيار أمامها سوى تصعيد المواجهة مع إسرائيل، من أجل أن تفرض واقعا على الأرض، يعطيها المزيد من الأوراق السياسية، لفرض الاتفاق النووي على أمريكا التي تهدد بإلغائه.
ومن جهة ثانية، فإن خروج إيران من سوريا يعني نهاية مشروعها السياسي والديني في المنطقة، ويعني بنفس الوقت، القضاء على كل أدواتها من الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها حزب الله اللبناني.
وهذا لا يقلل بالطبع من حاجة إسرائيل هي الأخرى للحرب.. فاليوم، الفرصة سانحة لها، لكي تتمدد داخل الأراضي السورية، وتحصل على المزيد من المناطق، بحجة حماية أمنها وحدودها من التهديد.. والإيراني اليوم هو الوحيد الذي يعطيها هذا المبرر، مثلما كانت تتذرع سابقا باحتلال الجنوب اللبناني.
إذن نحن على أعتاب مرحلة حاسمة في الأزمة السورية، ونقصد بها مرحلة المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية على الأرض السورية.. لكن إيران، وكما يبدو، غير مستعجلة، في إيقاد شعلة هذا الصراع ، وإنما إسرائيل هي التي تحركه وتسعى إليه، هذا ما يظهر من الصورة للعيان.. بينما على أرض الواقع ، فإن إيران تعمل بجد استعدادا لهذه المواجهة، ولكن بحسب رؤيتها، فهي بلا شك ، لا تريد أن تتورط بشكل مباشر في حرب مع إسرائيل، لأنها تدرك سلفا أنها لن تكون لصالحها، وإنما تعمل على توريط غيرها بها، وكما هي استراتيجيتها المعروفة، في تجنيد الشيعة العرب لتنفيذ حروبها مع الغير.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما هي الصورة المتوقعة لسوريا في حال حدوث مواجهة واسعة بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية؟
كل السيناريوهات اليوم، تقول أن سوريا ذاهبة إلى التقسيم، في حال وقعت المواجهة بين إيران وإسرائيل؛ لأن ذلك سوف يؤدي إلى تدخل دول كبرى لن ترى حلا للأزمة السورية، سوى بتقسيم البلد.
لكن ألا تلاحظون أن مصلحة إيران بتقسيم سوريا، أصبحت اليوم لا تقل عن مصلحة إسرائيل؟ أو أن الغرب يدفع إيران لأن تكون إحدى الأدوات المساهمة في هذا التقسيم؟
بمعنى آخر، إن خروج إيران بلا فائدة من سوريا، سوف يدفعها للاشتغال على مشروع التقسيم، لأنها تعلم أن أي تقسيم، لن يتم سوى على أسس طائفية أو عرقية، وبالتالي فهي ضامنة سلفا سيطرتها على القسم العلوي المطل على البحر المتوسط، وتحميه روسيا، التي هي شقيقتها بالرضاعة من الصدر السوري.
لكن تبقى الكلمة الأخيرة للسيد الأمريكي، فهو من سيقرر استخدام إيران من عدمه.. ونعتقد أن إيران لا تنتظر موقف هذا السيد فحسب، وإنما سوف تحترمه وتلتزم به.. لأنها تعلم أنه لن يخذلها!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية