أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

دكتور في العقود وأسعارها وحصصها.. هؤلاء شهود "مسرحية الكيماوي" وهذا قائدهم على الخشبة

حقيقة "عبيد" تمثلها الصورة الأكبر حيث يتصرف كشبيح، وليست الصورة الأصغر له حيث يظهر كدبلوماسي خلال مؤتمر "لاهاي"

*دعا قبل 20 عاما لاعتماد اتفاقية تجرم الإرهاب باستخدام الكيماوي، لكنه أضاف لها استثناء لافتا
*من "الأمم المتحدة" إلى البرازيل ثم لاهاي، رحلة طويلة خدم خلالها الوالد والولد
* في هولندا اتسع ملعب التشبيح أمامه مستفيدا من "اللجنة الوطنية" ومن فرص تتعلق بمسؤول كبير
*يمارس مهامه في المدينة التي تضم محكمة حارب الروس طويلا لضمان إفلات بشار منها


انشغل السوريون بهوية الشهود الذين ساقهم الاحتلال الروسي ونظام بشار الأسد إلى "لاهاي" ليؤدوا دورهم فيما سموه "مسرحية الكيماوي"، محاولين بكل ما أوتوا من كلمات وعبارات إنشائية أن يطمسوا آثار جريمة وثقتها الصور والمقاطع والتحاليل، دون أن يقدموا دليلا واحدا ملموسا على ادعاءاتهم سوى الكلام ومزيد من الكلام.

مجموعة الأشخاص الذين ظهروا على منصة "لاهاي" يتوسطهم ممثل النظام والاحتلال الروسي، سبق أن ظهر قسم منهم في التقرير المصور الذي أعده تلفزيون النظام حول نفس المسألة، مصدرا حكمه من يومها بأن هجوم الكيماوي القاتل يوم 7 نيسان الجاري على الغوطة، لم يكن سوى "مسرحية" و"فبركات" تولت التحريض عليها دول كبرى، ونفذتها "الخوذ البيضاء".

وقد جاءت أقوال "شهود لاهاي" نسخة عن روايات النظام والروس حول الهجوم، حتى قبل أن يلتقوا بهؤلاء "الشهود"، الذين اختاروا البقاء تحت سلطة النظام ولم يخرجوا مع الراحلين (المهجرين) نحو الشمال، لاعتبارات ما يزال أكثرها ملتبسا ومثيرا للاستهجان.
وضمت قائمة "الشهود" الذين استعان بهم الروس وبشار.. ضمت عاملين في الحقل الطبي في مدينة دوما، كانوا خلال السنوات السابقة يمارسون أعمالهم في العلاج والإسعاف ضمن مناطق سيطرة الثوار، وهؤلاء "الشهود" هم:

الطبيب محمد داوود، الطبيب باسل الترك، الطبيب محمد ممتاز الحنش، الطبيبة عبير حوا، الطبيب عنان البعلي، الطبيب بشار نصرالله، الطبيب محمد عيون، الطبيب غسان التكلة، الطبيب يوسف هارون، الطبيب محمد ضياء الشيخ بكري، الطبيب ياسر عبد المجيد، الطبيب حسان عيون، المخبري سعيد الدعاس، خليل الجيش، أحمد الساعور، أحمد قشوع، موفق النسرين، عبد الرحمن حجازي، عمر دياب وابنه الطفل "حسن دياب".

ومع كثرة هؤلاء "الشهود" فقد بدوا جميعا وكأنهم مجرد ديكور، حيث اقتصر دورهم على الإدلاء بشهادات كلامية لا يمكن أن تقارن بالدلائل المحسوسة (الصور، المقاطع، عينات المصابين..)، وبدا كل ما سيقولونه معروفا سلفا حتى قبل أن ينطقوا به، إذ إن الروس والنظام لايمكن بحال من الأحوال أن يظهروا للإعلام أي شخص يمكن أن يحيد عن روايتهم بخصوص الكيماوي أو بقية المجازر التي يرتكبونها في سوريا، دون أن يكونوا متأكدين من أنه حفظ "درسه" عن ظهر قلب.

وللاعتبار المذكور أعلاه، فإن ما يهمنا هو التركيز على "الدبلوماسي السوري"، غسان عبيد، الذي ظهر على خشبة مسرح "لاهاي" ليتحدث وبإسهاب عن "براءة" نظامه من الجرائم الكيماوية، وعن "الإرهاب" البشع الذي يتلبس به الثوار والدفاع المدني الحر المعروف اختصارا باسم "الخوذ البيضاء".

*يحيا "العدل"
لعلها المرة الأولى التي يسمع بها السوريون باسم هذا الدبلوماسي، باعتبارها أيضا المرة الأولى التي يخرج فيها "عبيد" على الإعلام المرئي ليدلي بمداخلته حول قضية خطيرة، حتى ليخال لمن تابع وقائع "لاهاي" أن "عبيد" رجل مستجد على أروقة دبلوماسية النظام، أراد الأخير أن تكون "بروفة" الكيماوي فاتحة ظهوره.

لكن معلومات "زمان الوصل" الأكيدة عن "عبيد" تشي بخلاف ذلك، فالرجل الذي قاد أوركسترا الشهود، واختار أن يجلس إلى جانب أصغرهم (الطفل حسن)، علّ البراءة المنبعثة من وجه الطفل تخفف من كآبة غيمة الكذب المتلبدة فوق سحنة "عبيد".. إنما هو رجل يخدم منذ فترة طويلة وقد أثبت ولاءه لنظام الوالد والولد (حافظ وبشار) معا.

"غسان عبيد" الذي يشغل حاليا نائب رئيس بعثة النظام الدائمة لدى منظمة حظر السلاح الكيماوي، تقول معلوماتنا إنه كان يخدم في بعثة النظام منذ تسعينات القرن الماضي، وكان مقررا في اللجنة السادسة بالمنظمة الأممية (اللجنة القانونية).
وخلال خدمته تلك قدم "عبيد" عددا من التقارير التي تضمنت مشروعات قرارات مقترحة للتبني، منها تقريران لدينا نسخة عنهما، الأولى جاء تحت عنوان "تدابير للقضاء على الإرهاب الدولي"، وقدمه خريف عام 1997.
وفي هذا التقرير اقترح "عبيد" عدة مشروعات لإقرارها من قبل الأمم المتحدة منها ملحق اتفاقية دعا دول العالم للتوقيع عليها واعتمادها، تحت عنوان "الاتفاقية الدولية لكبح الهجمات الإرهابية" بالأسلحة الفتاكة، ومن بينها السلاح الكيماوي، وتضمنت الاتفاقية مواد تتعلق بالتدابير الواجب اتباعها في مواجهة "الهجمات الإرهابية" بالأسلحة الفتاكة بما فيها الكيماوي.
لكن "عبيد" نص في الفقرة الثالثة من اتفاقيته المقترحة على استثناء لافت للنظر، يقول: "يجب أن لا تسري هذه الاتفاقية في الحالات التي ترتكب فيها الجريمة داخل دولة واحدة، ويكون الجاني المزعوم والضحايا من رعايا تلك الدولة".

وقدم "عبيد" في نفس التاريخ تقريرا حول "تعزيز دور" الأمم المتحدة، ركز على عدة موضوعات وقدمت بشأنها مشروعات قرارات، ومنها مشروع بشأن الدول المتضررة من العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن، ومشروع آخر حول اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة، وفيه يثني "عبيد" على تنامي دور محكمة العدل الدولية مقترحا العمل على تعزيزه بشكل أكبر.

وخلال وجوده في بعثة النظام بالأمم المتحدة، انتقد "عبيد" مسألة فرض العقوبات من قبل المنظمة التي يعمل بها، معتبرا أن العقوبات "ينبغي ألا تستخدم إلا عندما يكون هناك انتهاك صارخ للقانون الدولي وبعد استنفاد جميع قنوات التسوية السلمية للمنازعات... وأن ينظر مجلس الأمن في عواقب العقوبات، ويأخذ في الاعتبار المعاناة التي تسببها" لسكان الدولة المستهدفة.

* محارب شرس
لاحقا لعمله في الأمام المتحدة، نقله النظام إلى البرازيل ليمارس مهامه هناك بصفة القنصل العام والقائم بالأعمال في "البعثة السورية"، وكان الرجل ما يزال يخدم في البرازيل عندما اندلعت الثورة السورية (2011)، فأدى دوره المطلوب في الحديث إلى وسائل الإعلام عن "المؤامرة" و"الإرهاب" ومحاولة كسر محور "مقاومة إسرائيل"، كما ساهم في مختلف الفعاليات التي تم تنظيمها من قبل مؤيدي النظام في البرازيل، ولم تكن أكثر من نشاطات "تشبيحية" تبرر قتل الأبرياء في سبيل الإبقاء على نظام بشار.

وبعد سنوات من العمل في البرازيل، ألحق النظام "عبيد" بمكان جديد ومهمة أخرى، معينا إياه في منصب نائب رئيس بعثته لدى منظمة حظر الكيماوي (رئيس البعثة هو بسام الصباغ).

وفي "لاهاي" حيث مقر عمل بعثة النظام، دخل "عبيد" طور تشبيح آخر وتحرك بشكل أوسع لدعم النظام في عموم هولندا، مستفيدا من علاقاته من جهاز يسمى "اللجنة الوطنية للمغتربين السوريين في هولندا"، وهي تجمع لعتاة المدافعين عن جرائم النظام داخل البلد الذي تقع فيه كل من محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وهذه الأخيرة بالذات (الجنايات) هي التي نجح بشار في الإفلات من تحويل ملف انتهاكاته إليها بتغطية مستمرة من روسيا.

ولم تقف حدود استفادة "عبيد" عند "اللجنة الوطنية" التي يتزعمها شخص معروف بميوله الأسدية والطائفية (مالك صموئيل) ونشاطاته المخابراتية.. بل إن "عبيد" استغل كذلك موقعا يخوله تقديم خدمات لمسؤول كبير جدا في خارجية النظام، وستكشف "زمان الوصل" عن تلك الخدمات وتشعباتها عندما يحين الوقت.

أما الفرصة الكبرى التي سنحت لـ"عبيد" فقد مثلها استلام مهامه في "لاهاي" بالتزامن مع انفجار ملف الكيماوي في وجه النظام؛ ما أعطى الرجل "رصيدا" إضافيا ليظهر في زي المحارب الشرس، مستندا إلى خبراته في "دهاليز" القوانين الدولية والمنظمات العالمية، وأساليب تمييع القضايا في أروقتها.

وأخيرا، فإن هناك تفصيل صغير في حياة "عبيد" لكنه مهم.. فقد عمل الرجل في إحدى المدن الكندية (في مقاطعة أونتاريو) بمهنة محام، عقب نيله درجة الدكتوراة عام 1990 من جامعة مونبلييه الأولى في فرنسا، عن رسالة تدور حول "حساب السعر في العقود الدولية".

وفي هذه الرسالة أكد "عبيد" خصوصية البنود النقدية في العقود الدولية، وشدد على أن حساب الأسعار في هذه العقود يمثل جانبا مهما من جوانب التفاوض على المعاملات التي تكون حصصها كبيرة"... ويبدو أن هذه الرسالة الحافلة بمصطلحات "العقود" و"الحصص" و"التفاوض على الأسعار" تلخص إلى حد كبير جوهر المهمة التي أداها "عبيد" طوال السنوات الماضية، وما زال، والتي كانت آخر تجلياتها على خشبة "لاهاي".

إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
(211)    هل أعجبتك المقالة (196)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي