سبع سنوات ونيف مرت على أحداث الربيع العربي الذي شهد خمس ثورات ضد أنظمة ديكتاتورية، نجحت هذه الثورات في إسقاط أربعة رؤساء (زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن)، في حين استطاع نظام بشار الأسد في سوريا الصمود في وجه رياح التغيير التي حملها الربيع العربي.
ولقد نال موضوع صمود الأسد في وجه العاصفة ما يستحقه من الدراسات عربيا ودوليا، غير أن معظم تلك الدراسات والآراء، تركز حول جانب واحد أو تناول سبب بعينه من الأسباب وجعله المبرر الرئيسي، دون محاولة الربط بين مجموعة العوامل التي لعبت –مجتمعة- الدور في بقاء الأسد في السلطة، في حين سقط الآخرون.
البعض توجه نحو الطائفية معتبرا أن الأسد نجح وعبر سني حكمه وحكم والده في ربط مصالح النظام بمصالح الطائفة العلوية التي التفت حول الأسد دفاعا عن مصالحها تلك أو يرى قسم آخر من الباحثين، أن دافع الخوف الذي أثارته بعض الأصوات الطائفية في صفوف المعارضة لعبت دورا في بث الذعر بين أبناء الطائفة العلوية وغيرها من الأقليات.
وبالرغم من أهمية العامل الطائفي إلا أنه لا يبدو كافيا لوحده في نجاح نظام الأسد بالصمود نحو ثماني سنوات، ذلك أن الأسد لم يكن أول رئيس يستغل العامل الطائفي في ترسيخ أركان حكمه، فوفقا لما يقوله الباحث الشهير "نيكولاس فان دام" في كتابه (الصراع على السلطة في سوريا) نجد أن العقيد حسني الزعيم اعتمد على الشراكس والأكراد في تشكيلة حمايته الشخصية وكذلك فعل خليفه سامي الحناوي وكلاهما ينتمي لجذور كردية، ويضيف "فان دام" أن العقيد أديب الشيشكلي اعتمد على ضباط من ابناء مدينته حماة، ولقد استخدم بعضهم في القمع العسكري الذي واجه فيه انتفاضة أبناء محافظة السويداء ضده وضد أركان حكمه.
لعله الدعم الخارجي الإيراني – الروسي؟؟
لكن انقلاب حسني الزعيم كان مدعوما فرنسيا وأميركيا وقد جاء هذا الانقلاب (وهو الأول في الوطن العربي) ردا على محاولات الرئيس شكري القوتلي إعادة تشكيل الجيش على أسس وطنية والتخلص من جذوره الطائفية التي حرص المستعمر الفرنسي على أن تكون المكون الرئيس في الجيش باعتماده على أقليات إثنية وطائفية ومذهبية، بل إن الزعيم حاول الحصول على الدعم الإسرائيلي – الأميركي عبر إرساله رسالة للزعيم اليهودي بن غوريون يعلن فيها استعداده للبدء بمحادثات سلام مع إسرائيل وفقا لما ذكره "باتريك سيل" في كتابه الشهير (الصراع على سوريا)، ورغم ذلك لم يستمر حكم الزعيم إلا خمسين يوما وبعض أيام.
لكن انقلاب الزعيم على القوتلي كان رسالة هامة ودرسا قويا إلى جميع الزعماء السياسيين القادمين من أصول مدنية، مفاده أنه ممنوع الاقتراب من مؤسسة الجيش أو محاولة التلاعب بتركيبته الطائفية –الريفية، فعلى الرغم من كون قيادات الجيش كانت من أصول بورجوازية مدينته، إلا أن الضباط الصغار كانوا في معظمهم من أصول ريفية، ما يطرح سؤالا هاما عن أسباب غياب الضباط العلويين عن هذه الانقلابات في الوقت الذي برزت فيه أسماء من الطائفة الدرزية من أمثال يحي أبو عساف وغيره من الضباط الذين لعبوا دورا محوريا في الانقلابات الثلاثة التالية. ولعل في الإجابة على هذا السؤال، يكمن الجواب على وقوف الطائفة العلوية خلف آل الأسد والدفاع عنهم باستماتة، ولكن هذا الأمر سنتركه للمقالة القادمة.
في الكتاب المذكور سابقا للباحث "فان دام"، نقرأ صفحات عن الصراعات الطائفية بين ضباط الجيش، وكل ضابط في موقع مسؤول وقوي يحاول التأسيس لكتلة من ضباط طائفته تدعمه وتكون سندا له في تنفيذ مشاريعه وأحلامه المستقبلية، وتطورت هذه الصراعات وازدادت حدة إلى درجة أنها اتخذت طابعا دمويا في بعض الأحيان، خاصة بين عامي 1963 و1966، ففي حين صمت الضباط العلويون (حافظ الأسد وصلاح جديد) على قرار الحزب في طرد ثالثهما الضابط الرفيع محمد عمران والذي شغل منصب وزير الدفاع آنذاك، اتخذ الضابط الدرزي سليم حاطوم خطوة متهورة في التمرد على قيادات الحزب والجيش ومحاولته اعتقال بعض قياداتهما خلال زيارة قاموا بها لمدينة السويداء.
لماذا نجح الأسد في البقاء وسقط الآخرون، يحتاج بالتأكيد لدراسة موضوع آخر يتركز حول، لماذا نجح العلويون وفشل الآخرون، رغم أن الصراع الطائفي كان مستعرا، وبالرغم أيضا من أن الضباط العلويين لم يكونوا أكثرية في تلك الفترة، هذا ما سنفرد له الحديث في المقالة القادمة.
يتبع..
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية