أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

محاولة لفهم ما يجري لـسوريا.. فؤاد عبد العزيز*

حي جوبر - جيتي

يوما بعد يوم تتكشف الملامح النهائية لصورة الوضع في سوريا، والتي تشير حتى الآن إلى أن البلد سوف تتحول إلى مناطق نفوذ دولية، تخضع كل منطقة فيها لسيطرة دولة معينة، تمارس عليها السيادة كما لو أنها الدولة الأم.

لكن هناك من يرى أن ما نشاهده حاليا ليس هو الصورة النهائية للوضع في سوريا، وإنما تتجه الأمور إلى التقسيم الفعلي للبلد، وهو ديدن روسيا في كل الأزمات والمناطق التي تدخلت فيها، فهي التي قسمت ألمانيا، الدولة العظمى، فهل سوف "تغص" في تقسيم سوريا..؟

فإلى أي حد هذا الكلام دقيق، وما هي مؤشراته على أرض الواقع ..؟

يعتبر الكثير من المراقبين والمحللين، أن عمليات التهجير في محيط العاصمة دمشق من سكانها الأصليين، ما هو إلا عملية تغيير ديموغرافي، الهدف منه في النهاية هو تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية، بينما هناك أجزاء أخرى من الأراضي السورية سوف تقتطعها دول الجوار، وخصوصا في الشمال والجنوب السوريّين.

وعدا عن ذلك، فإن تصريحات المسؤولين الغربيين، وبالذات الروس، بدأت لا تستبعد خيار التقسيم، بعد أن كانت تتحدث في البداية عن حرصها على وحدة الأراضي السورية، إلا أن كل ما تقوم به الأيادي التي تعبث في الأراض السورية، تشير إلى أن الروس والإيرانيين والأتراك والأمريكيين، جميعهم متفقون على هذا الخيار، وهم يعملون عليه على أرض الواقع، وخرائط السيطرة والنفوذ والقواعد العسكرية، أكبر دليل على ذلك. 

لكن يبقى السؤال الأهم: ما هو دور النظام في هذا التقسيم، وهل كان يخطط له منذ البداية..؟

نستبعد أن يكون خيار النظام منذ بداية الأزمة هو التقسيم، لأنه لو أراد ذلك لانكفأ على نفسه في المنطقة الساحلية منذ الأيام الأولى للثورة وأعلن دولته، ووفر على نفسه كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات، وبالتالي سوف يجد من الدول الكبرى من يبارك هذا الكيان ويعترف به.

إلا أن النظام من جهة ثانية، كان على اطلاع تام بمشروع التقسيم، لأنه بالأساس هو مشروع قديم يعود إلى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وكانت قد أعدته الإدارة الأمريكية، ضمن رؤيتها المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، وقد أثار في حينها سخرية بعض الساسة اللبنانيين الذين اطلعوا عليه داخل البنتاغون، وصرحوا على وسائل الإعلام في الثمانينيات، أنه مضحك ومستحيل التطبيق على أرض الواقع، لأنه بمثابة خريطة جديدة لسوريا ولبنان، مختلفة كثيرا عن الخريطة الحالية.

أما بالنسبة لدور النظام في هذا التقسيم إن حدث، فيتجسد في السماح لهذا المشروع بأن يمر، عندما رفض أن ينصاع لمطالب شعبه، وأصر على مواجهته، مغامرا بمستقبل سوريا كاملا، ثم بعد ذلك استعان بالإيرانيين، الدولة التي تمتلك مشروعا خاصا بها، لا يقيم وزنا لحدود الدولة السورية ولا لسيادتها.

وكانت الطامة الكبرى، عندما جلب القوات الروسية، والتي كانت هي صاحبة الفكرة الجهنمية، بإفراغ محيط العاصمة دمشق من سكانها، وإجراء عمليات تغيير ديموغرافي واسعة. 

ولا شك أن كل ذلك يجري برضا من بشار الأسد، كأمر واقع مفروض عليه، وليس لأنه راغب به، لأن كل حاكم أرعن يرى أن مواهبه أكبر بكثير من حدود الدولة التي يحكمها، وغالبا ما ينتهي به هذا الطموح إلى القبر. 

أما مظاهر الاختلاف بين الروس والأمريكيين والإيرانيين والأتراك، التي تظهر بين الفترة والأخرى، فهي عندما يخرج أحدهم عن المخطط المرسوم، ويطمع بحصة أكبر من حصته المتفق عليها، أو أن هناك نقاطا لاتزال مثار اختلاف بينهم، ولم يتم البت بها بشكل نهائي، وبالذات موضوع الدولة الكردية، ومواقع السيطرة الإيرانية والتركية.

وفي الختام، رحم الله الماغوط، القائل في الثمانينيات من القرن الماضي: "كل طبخة سياسية في المنطقة، أمريكا تعدها وروسيا توقد تحتها وأوروبا تبردها وإسرائيل تأكلها والعرب يغسلون الصحون".
ما أصدق هذا الكلام على سوريا اليوم ..؟

*من كتاب "زمان الوصل"
(243)    هل أعجبتك المقالة (223)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي