إذا ما استثنينا بعض اهتمام لتطورات ملف كوريا الشمالية، فإن الملف السوري وتطورات المنطقة عموما تطغى على الأحداث العالمية ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، حتى تكاد كل محطات التلفزة الإخبارية الغربية تتفرغ للحديث عن مستجدات المنطقة التي تتسارع بشكل غير مسبوق منذرة بما هو أكثر تسارعا وخطورة.
بجردة حساب لما تتداوله وسائل الإعلام، تأتي أخبار المنطقة في طليعة الأخبار العشرة الأولى عالميا، تتصدرها الانهيارات المتسارعة لفصائل المعارضة السورية وانسحابها المفاجئ من عديد المناطق التي تشبثت بها لسنوات مضت.
سبع سنوات من حصار الغوطة الشرقية لم يستطع خلالها النظام دخولها، ولكنه سيطر عليها بالكامل خلال شهرين، كما أنه يدخل اليوم مناطق في القلمون ويستعد لإعادة مخيم اليرموك وأحياء الحجر الأسود والتضامن ويلدا وببيلا وما تبقى من محيط العاصمة دمشق إلى حضنه.
وغير بعيد عن ذلك زمنيا سينتهي من ريف حمص الشمالي وبعض ريف حماة الغربي، وكالعادة يتوجه مقاتلو جبهة النصرة وشركائها في هيئة تحرير الشام إلى إدلب، فيما يغادر عناصر تنظيم الدولة "داعش" إلى البادية ودير الزور، ويرحل المقاتلون المعتدلون من الجيش الحر إلى مناطق درع الفرات في عفرين وجرابلس.
ليس غريبا أن يتمكن النظام من السيطرة على أي منطقة يريدها بجد في سورية معتمدا على قصف جوي مدمر من طيرانه ومن طيران حليفه الروسي، ومساندة برية من أكثر عناصر الشرّ إجراما من الميليشيات الطائفية والمرتزقة القادمة من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها، حيث لا قبل لفصائل المعارضة بمواجهة هذا الطوفان الذي يستهدف كل منطقة على حدة تباعا.
ولكن حسم الأمور لا يعود لهذا السبب أو لغيره من الأسباب المتداولة مثل الإرهاق الذي حلّ بفصائل المعارضة أو اقتتالها الداخلي أو قطع الدعم عنها، بل لإملاءات من الجهات الداعمة والمتحكمة بقرارات طرفي المواجهة تمهيدا للقادم الذي تخطط له، والذي تبدو ملامحه شبه واضحة مع تعديلات تطرأ حسب مراحل التنفيذ وتفصيلات الأحداث التي ترافقها.
وتأتي تصريحات أردوغان حول جغرافيا جديدة للمنطقة يتمّ العمل عليها ومسارعته لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة لحسم موضوع الرئاسة في تركية والتفرغ للتعامل معها ومحاولة تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وربما أقل الخسائر، متوافقة مع إعلان لافروف أن روسيا لم تعد قادرة على منع تقسيم سورية.
وفي سياق الأحداث المتسارعة يجري الحديث عن احتمال دخول قوات عربية تتصدرها السعودية إلى سورية لتحلّ مكان الأمريكية، في وقت يتصاعد فيه الحراك السياسي السعودي المرتجف على وقع نقل السلطة إلى محمد بن سلمان والابتزاز الأمريكي للشاب عديم الخبرة، وفي السياق ذاته أشارت مصادر غربية إلى نيّة سعودية تسلّم ملف القدس من الأردن التي أشارت المصادر ذاتها إلى أن عرش الملك عبد الله يهتزّ لعدم الرضى الغربي والإقليمي عنه رغم أنه أبدى استعداده للتعاون الكامل في ملف الجنوب السوري.
وكان من أهم الأحداث المتصلة بسورية والمنطقة هو اكتفاء روسيا بالتفرّج على الضربة الغربية لبعض مواقع الأسد عقب استهدافه لمدينة دوما بالسلاح الكيماوي وهي سيدة الساحة السورية منذ ثلاث سنوات، رغم محاولتها تلطيف الاستخفاف بها من خلال الإشارة إلى أن الضربة تمّت بالتنسيق معها.
كل ذلك يترافق مع تصاعد الحرب الكلامية بين إسرائيل وأمريكا من جهة وإيران من الجهة المقابلة، ومن المرجح أن تتطور لمواجهة عسكرية تكون مفتاحا لتقسيم جغرافي جديد للمنطقة يقوم على أساس طائفي يمثل مصالح الأطراف الفاعلة على الساحة.
البركان القادم للمنطقة والذي سيكون عبر حرب شاملة أو رضوخ من كافة الأطراف قد تغيب فيه سورية عن الخريطة لتؤول إلى دويلات عدة، ويجري البحث في كواليس السياسة الغربية عن إلحاق أجزاء منها بكل من الأردن وإسرائيل وتركيا كإتباع كامل أو مناطق نفوذ شبه مستقلة، ومن المطروح إقامة دولة جديدة تمدد من ريف حمص الشرقي وصولا للأنبار غرب بغداد.
كل المؤشرات تقود لاحتمالات تقسيم العراق وسوريا، وكل الدول المؤثرة تسعى عسكريا وسياسيا للتعامل مع المستجدات ضمانة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وتبدو إيران وتركية الأكثر ارتباكا في استقبال المشهد وغير متيقّنة من صورته النهائية، فيما يغيب الأسد ومعارضوه عن المشهد كليّا بعدما بات الصراع أكبر من أحجامهم بكثير.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية