يبدو أن أسباب الضربة الأمريكية العسكرية ضد معاقل النظام العسكرية، بعيدة بعض الشيء عن الأهداف الحقيقية للضربة التي تحاول واشنطن أن تجعل منها تحالفا دوليا يضم فرنسا وبريطانيا وألمانيا واستراليا ربما تنضم كندا أيضا لهذا التحالف، فمعظم التحليلات تحمل أماني مطلقيها وتمنياتهم من هذه الضربة مع إغفال حقائق هامة منها أن هذه الضربة لن تسهم في إسقاط النظام بشكل مباشر، ولن تؤثر على قدراته العسكرية لأنها بالأساس منهارة، وقد أثبتت عجزها منذ الأيام الأولى للثورة عن حماية النظام واحتفاظه بالأراضي التي يسيطر عليها، حين كان تعداد عناصر الجيش الحر لا يتجاوز الستين ألفا وتسليحه في أحسن الأحوال كان من النوعين المتوسط والخفيف، ولولا التدخل الإيراني المباشر والروسي فيما بعد، لكان هذا الجيش جزءا من الماضي مع النظام ذاته.
فلقد سعى النظام منذ سنوات طويلة إلى قتل المؤسسة العسكرية وإضعافها وإغراقها في مستنقع من الفساد والفلتان وعدم الانضباط، وسعى حثيثا لضرب كل مقومات الجيش القوي المنضبط.
إذا الضربة الأميركية لن يكون لها أثر عسكري فاعل في إسقاط النظام، على الرغم من أهمية إلحاق المزيد من الضعف في جسد مؤسسته العسكرية بالنسبة لقوى التحالف، فمع وجود حليف عسكري قوي مثل روسيا، تفقد الضربة الأميركية تأثيرها من جهة إسقاط النظام بشكل مباشر، ولكن ذلك لا ينفي أنها ستتكون مؤثرة وفاعلة وخطوة هامة على طريق إسقاط آل الأسد، فهي:
أولا: ستؤكد للإيرانيين أن مشاركتهم في دعم النظام، وتمدد نفوذهم في سوريا لن يكون مجانيا، وأنهم سيدفعون أثمانا مرتفعة وباهظة لقاء كل ما ارتكبوه من مجازر بحق السوريين.
لقد كان المرور الإيراني بالملف السوري مرورا واسعا ومريحا ودون دفع أثمان باهظة على الصعيد الدولي، بل إن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أطلقت يد الإيرانيين في طول المساحة السورية ما منحها حرية في الحركة والتنقل واستخدام الملف السوري كورقة ضغط في جميع اتفاقاتها ومفاوضاتها الإقليمية والدولية، صحيح أن إيران خسرت الكثير من عناصرها في المعارك التي دارت على مدى سبع سنوات، وخسرت الكثير من اقتصادها وكان تدخلها استنزافا لقدراتها العسكرية والاقتصادية، إلا أنها لم تتعرض لأي ضغوط دولية بسبب هذا التدخل، بل إن القوة الوحيدة تقريبا التي عملت على لجم النفوذ الإيراني هي روسيا، والذي كان تدخلها فعلا، ضربة قاسية للنفوذ الإيراني، وربما كانت الوحيدة حتى الآن.
من هنا فإن الضربة العسكرية من شأنها أن تجعل إيران تدفع ثمن تدخلها عبر استهداف قواتها وعناصرها العاملة داخل الأراضي السورية، كما أنه من شأن هذه الضربة أن تؤثر على زعزعة التحالف الإيراني مع النظام إذا كان الثمن مرتفعا فعلا، فلن تكون إيران بعدها قادرة على تحمل أعباء حرب لم تجلب لها سوى العداوات في كل الإقليم وفي معظم دول العالم.
ثانيا: إن ضرب القوى الجوية للنظام سيدفع بإيران وروسيا للتعويض، بمعنى أن قواتهما الجوية سوف تعمل على سد النقص الذي قد تحدثه الضربة في صفوف جيش النظام وقدراته الهجومية، ما يعني مزيدا من الأعباء العسكرية والاقتصادية على كلا البلدين، الأمر الذي قد لا تتحمله الخزينة الإيرانية التي تعاني صعوبات جمة في الأساس.
إن ضرب الوحدات الجوية من شأنه أن يترك أذرع إيران في سوريا كـ "حزب الله" وكتائب "عصائب الحق" وغيرها من الميليشيات، من شأنه أن يتركها مكشوفة أمام هجمات الثوار ودون حماية جوية، ما يعني إعادة مسلسل الهزائم أمام الثوار إلى المربع الأول، ومن هنا فإن إيران وروسيا سوف تحرصان على سد هذه الفجوة عبر الدعم المباشر وبالقوة العسكرية المباشرة لجيشي البلدين مع ما يحمل كل ذلك من أعباء ثقيلة.
ثالثا: يبدو أن الضربة الأميركية سوف تركز على هدف فك التحالف الثلاثي (النظام –إيران –روسيا) عبر تجنب استفزاز الروس والابتعاد عن مواقعهم وقواعدهم العسكرية في سوريا، والاستفادة من الغضب الروسي على نظام الأسد بسبب سياساته الرعناء التي أدت إلى تغيير الموقف الأمريكي من مغادرة قواتها لسوريا إلى إصرارها على البقاء، بل وانتقالها إلى توجيه ضربة هجومية، ونعتقد أن واشنطن تضع هذا الهدف نصب أعينها، فهي ستسعى بعد الضربة إلى احتواء الموقف الروسي وعدم التصعيد، ليس خوفا من ردة فعل روسية إنما في مسعى لجذب الروس بعيدا عن حليف لم يجلب لهم سوى العار الهزائم على الصعيد الدولي أساء لصورة روسيا على الصعيد الشعبي عالميا.
وكذلك تسعى واشنطن إلى شق التحالف الإيراني الروسي، فموسكو لا تخفي قلقها من السياسات الاستفزازية التي تقوم بها ميليشيات مدعومة من إيران، وتؤثر بشكل سلبي على موضوعة التواجد الأميركي على الأراضي السورية، فميليشيات النظام مدعومة بالميليشيات الشيعية، خاضت ست اشتباكات مع القوات الأميركية في الفترة الأخيرة الماضية، ما كان له أثره أيضا في تراجع الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" عن موقفه في الخروج من الملف السوري وترك الأمر للأطراف المتواجدة على الأرض، الأمر الذي أثار غضب موسكو وكان من شأنه أن يؤدي إلى اشتباك بين قواتهما المتواجدة في سوريا لولا تدخل القيادات العليا في الوقت المناسب ولجم الموقف المتوتر بين الطرفين.
هذه الضربة لن تسقط الأسد مباشرة ولكنها بدون شك خطوة هامة ورئيسية على الطريق، وهي سياسة أميركية قديمة تعتمد القضم على مهل، إذ يمكن القول إن لم تقتل الضربة النظام فإنها ستكسر ظهره بالتأكيد، فهي رسالة قوية للأسد أنه ممنوع الحديث عن انتصارات سهلة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية