شيّعت قرية الكفر (جنوب شرق السويداء) أحد أقدم معتقلي النظام "حسن سليمان حديفة" الذي توفي في سجن السويداء المركزي بعد 30 سنة من اعتقاله تعسفياً في العديد من معتقلات الأسد.
ففي عام 1988 اعتقلت مخابرات النظام "حديفة" بسبب نشاطه السياسي، موجهة إليه تهمة "تهديد الأمن القومي"، ولم يمثل الرجل طوال 30 سنة من اعتقاله أمام أي محكمة أو قاض مطلقا، ولم يعرف التهمة الحقيقية المنسوبة إليه، وتم زجّه في سجن تدمر الذي وصف بأنه أسوأ السجون في العالم قبل أن يتم نقله إلى سجن صيدنايا عام 2004 حتى عام 2011، حيث تم نقله إلى سجن السويداء، في إطار خطة لتفريغ السجن من أجل استيعاب الأعداد الهائلة من المعتقلين في صفوف الثوار والمنشقين.
صديق لـ"حديفة" كان معتقلاً معه في سجن صيدنايا وفضّل عدم ذكر اسمه، روى لـ"زمان الوصل" أن المعتقل الراحل ولد في بلدة الكفر عام 1947 وعاش طفولة مليئة بالمعاناة لأن والده كان مطلوبا من الاحتلال الفرنسي وهاربا في جبل السويداء، أما والدته فأخذها والدها إلى لبنان بعد غياب والده وبقي هو وإخوته يعيشون بمفردهم حياة مليئة بالشقاء والحرمان من كل شيء، وعندما بلغ "حسن حديفة" مرحلة الشباب انضم للجيش الذي بقي فيه إلى ما قبل اعتقاله من منزله على أبواب حلول رأس السنة (1988).
فذات ليلة من شهر كانون الأول عام 1987 كان شخص لبناني في زيارة لأقاربه ببلدة الكفر في ريف السويداء وبات في منزل "حديفة"، وفي اليوم التالي بعد خروجه من المنزل تم استدعاؤه من قبل مخابرات النظام فذكر أثناء التحقيق معه اسم "حسن حديفة" لاعتقاده أن هذا سينجيه، على اعتبار أن "حسن" ينتمي لعائلة كبيرة في الجبل، وهو يخدم في الجيش، فما كان من مخابرات النظام إلا اعتقال "حديفة" وزجه في سجن تدمر دون محاكمة عسكرية بتهمة التجسس لصالح اسرائيل أي ما يُسمى بـ"الأمن القومي"، وهي التهمة لتي اعتقل بذريعتها آلاف السوريين في الثمانينات، بينما كانت يد "حافظ الأسد" تمتد لإسرائيل من تحت الطاولة، حسب قول صديق "حديفة".
وكان الشخص اللبناني الذي اعتُقل، متزوجا من قريبة لـ"حسن حديفة" من جنوب لبنان، ودخل حينها إلى سوريا في فترة كانت تلك المنطقة مخترقة من قبل إسرائيل ما جعله مثاراً للشبهات.
والدة "حسن" روت في شهادة سابقة (قبل وفاتها) أن الشخص اللبناني كان قد أودع مبلغا كبيرا من المال عند قريب له في دمشق، ما دفع قريبه للطمع به وتقديم تقرير بعمالته لصالح إسرائيل، وكانت هذه الشرارة.
ويقول صديق "حسن حديفة" أن عالئة الأخير بقيت نحو 13 سنة لا تعرف عنه ولا عن ظروف اعتقاله شيئا، وكل ما وصلهم كان فقط معلومات عن وجوده في سجن تدمر، وقد تمكّنت عائلته بعد مضي 15 سنة من اعتقاله من زيارته للمرة الأولى في "تدمر".
وفي عام 2004 نقل "حديفة" إلى سجن صيدنايا حتى العام 2011 مع بداية الثورة السورية حيث أُفرغ السجن سيء الصيت وتم تحويله إلى معسكر اعتقال شبيه بالمعسكرات النازية، وتم تحويل " أبو أكرم" إلى سجن السويداء المركزي لتلقي العلاج بعد تدهور صحته.
ورغم كبر سنه (75 عاما) وسوء حالته (مرض بالقلب)، فقد كان تعامل العساكر والمشرفين على النظارة في مشفى السويداء غير إنساني، حتى إنهم تجاهلوا إعطاءه بطانية تقيه برودة الجو، فخرّ ذات يوم على الأرض لينقل حينها إلى العناية المشددة، ولاحقا إلى دمشق خلال معركة الغوطة من أجل إجراء عملية جراحية، كلنه وضع في مكان مزر وغير لائق صحيا داخل سجن عدرا؛ ما أدى لالتقاطه جرثومة في رئته، وسرع من تدهور صحته ووفاته.
وحسب محدثنا فإن ذوي "حديفة" كانوا على علم بوضعه الصحي الحرج، وحاولوا مناشدة سلطات النظام مرارا لإخراجه، لكن دون أن يلقوا تجاوبا يذكر.
النظام الذي رفض الإفراج عن "حديفة" حياً، أفرج عنه لاحقا ولكن عندما بات حثة هامدة، حيث سلم الجثمان لأهله الذين دفنوه صباح يوم السبت 14 الجاري في بلدة الكفر، مسقط رأسه.
وكشف محدثنا أن "حديفة" ترك 5 أطفال مع والدتهم، التي عانت الفقر طوال فترة اعتقاله الطويلة، وعملت بكل ما استطاعت من قوة لتربية أبنائها، حتى وافتها المنية قبل نحو عام ونيف، ولم يستسلم أبناؤه لواقعهم المرير، بل أصروا على التحدي ومواصلة الحياة، فدرسوا وتخرجوا جميعا بشهادات جامعية في مجالات عدة.
وكان "حسن حديفة" وطوال ثلاثة عقود كما يقول المصدر- يأمل أن يرى النور ليحضن أولاده، ويتابع حياته معهم كأي أب، لكن سجانه حرمه من أبسط حقوقه كإنسان.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية