استخدام الرئيس الأمريكي رونالد ترامب لكلمة "الحيوان"، أكثر من مرة، في وصف بشار الأسد، لم يعد بالإمكان الاتكال عليها لمعرفة طبيعة الثمن الذي سيدفعه هذا المجرم، لأنه سبق وأن وجه نفس العبارة للرئيس الكوري الشمالي، ثم اتضح فيما بعد أنها جزء من الغزل "الترامبي" في التعاطي مع كل خصومه الذين ترعاهم موسكو.
لكن من جهة ثانية، من يتابع سياسة الرئيس الأمريكي الداخلية والخارجية، لا بد أن يلاحظ أنه أصبح يفعل ما بوسعه لدفع الشبهة عن وجود أي تعاون بينه وبين الروس في إيصاله إلى منصب الرئاسة في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، لذلك يرى الكثير من المراقبين، أن الرأي العام الأمريكي بدأ ينتظر من ترامب على أرض الواقع أن يثبت بالفعل أنه ليس مهتم لإزعاج موسكو، وأنه مستعد للدخول في مواجهة مباشرة معها.. فهل هناك من فرصة أفضل من ضرب حليفها بشار الأسد كي يصبح بريئا من تهمة التعاون معها..؟
بهذا المنطق، يرى الكثيرون أن ترامب لن يفوت هذه الفرصة دون عمل ما بحق بشار الأسد، وبشكل قد يؤدي بالفعل لإغضاب الروس، لأنها طريقه الوحيدة لإثبات براءته أمام المجتمع الأمريكي.
وعلى جانب آخر، فإن السوريين، الذين خبروا مواقف الإدارة الأمريكية على مدى السنوات السبع السابقة من عمر ثورتهم، لا يتوقعون عملا كبيرا قد يقلب الموازين رأسا على عقب لصالح المعارضة، وإنما في أحسن الحالات، ضربة شكلية لمواقع عسكرية لن تغير شيئا على أرض الواقع، وبعدها سيستمر النظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين، في استكمال هجومهم التدميري والتهجيري على الشعب السوري، وربما بشكل أكثر وحشية من السابق.
إذا، ما هو المطلوب، إذا كان المجتمع الدولي جادا في معاقبة الأسد على استخدامه الكيماوي بحق شعبه..؟ هل هي الضربة العسكرية، أم شيء آخر..؟
لا شك أن الضربة العسكرية لنظام تسانده دولة عظمى مثل موسكو ودولة أخرى مثل إيران، لن تؤثر به إذا لم تطل رأسه مباشرة، أو أن تكون الضربة موجهة لهاتين الدولتين بالدرجة الأولى..وسوى ذلك، فإن الأمر لن يتعدى الاستعراض الدولي، الذي نخشى أن يكون وسيلة للتنصل كاملا، من مسؤولياته الأخلاقية والقانونية اتجاه الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري، وكي يقول لهذا الشعب إنه ها هو تحرك لأجله، وفعل ما يجب عليه فعله.
المطلوب من وجهة نظرنا، هو تحرك دولي يدفع باتجاه تحويل المجرم للمحاكمة، هو وكامل نظامه، وليس معاقبته بالضرب على مؤخرته..فهل يفعلها المجتمع الدولي هذه المرة..؟
أغلب المراقبين، وبالذات الدوليين، غير متحمسين لفكرة أن أمريكا وباقي الدول الأوروبية، تنوي الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، من بوابة الأزمة السورية، لأن إيران باتت قريبة جدا من الحدود الإسرائيلية، وأي طيش في الحسابات، سوف يدفع موسكو لإزعاج الغرب من هذه البوابة.
أما الأمر الثاني، فهو أن أمريكا وبعض الدول الأوروبية تسيطر اليوم على مساحة تزيد عن الربع في سوريا في منطقة شرق الفرات، وهي تسعى للالتفاف نحو المنطقة الجنوبية، لكي تغدو على مشارفها، وهو ما يعني بأنها قادرة في أي وقت على قطع الطريق على إيران للوصول إلى سوريا، وهو أقصى ما تريده لطمأنة إسرائيل، وليس الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران .. لذلك وجدنا، منذ الأمس ومنذ قرر مجلس الأمن الدولي عقد جلسة طارئة لمناقشة الهجوم الكيماوي الأخير على دوما، أن وزارة الخارجية الإيرانية هي من تصدت للرد نيابة عن النظام السوري، وبما يشبه التحذير للغرب بأنهم سيدافعون عنه في حال توجيه أي ضربة موجعة .. والدفاع يعني هنا بدون شك: إسرائيل..!
إذا وكخلاصة، نحن أمام واقع دولي معقد بكل معنى الكلمة، تلاشت فيه كل الفرص الحقيقية التي كان من الممكن أن يتم فيها وضع حد لنظام الأسد عسكريا، وأما على المستوى السياسي، فالفرصة كذلك تضيق بعدما تمكنت إيران وروسيا من سوريا بشكل كامل، وأصبحتا هما الحاكم الفعلي لها، وخصوصا أن هاتين الأخيرتين تتفهمان حتى الآن المطالب الأمريكية، بضرورة عدم الاقتراب من إسرائيل، ما لم يقرر ترامب الجنون .. فما الذي تريده أمريكا أكثر من ذلك في سوريا ..؟
الجواب: لا شيء ..فقط دعوني أحفظ ماء وجهي كدولة عظمى .. !
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية