دمشق مدينة التاريخ، أقدم عاصمة في العالم، مهد الحضارات، أصل الثقافة وبيت قصيدها، سميت ملكة للثقافة وتزينت بتاجها الذي انتقل إليها من الجزائر، فازدادت تألقاً وفخراً وإباء ولعل حفل الافتتاح الذي زفت به دمشق عروساً للثقافة عبر أصدق تعبير عن قيمة الحدث.
وبهذه المناسبة سجل التاريخ على حجارة دمشق أحداثاً مهمة حيث خطت فيروز العرب التي غنت دمشق بكل جوارحها بعد غياب طويل، في ذاكرة شباب سورية وأطفالها أعظم ذكرى.
كما صدح صوت جوليا وزياد الرحباني ومارسيل خليفة في حنايا الشام احتفاء بالمناسبة وعلى شرف عاصمة الأمويين.
وقد تزامنت احتفالية دمشق عاصمة للثقافة مع عدة مهرجانات فزادت الحدث بريقاً وتألقاً فمهرجان السينما والمسرح والفعاليات والأحداث والعروض التي تخللتهما تركت أثراً واضحاً في نفوس ضيوف عاصمة العروبة الذين قدموا من كل حدب وصوب للمشاركة بهذه المهرجانات.
وقد شملت الاحتفالية جميع أوجه الثقافة من مسرح وسينما وشعر وندوات ومحاضرات ومهرجانات وملتقيات وغيرها لتليق دمشق باللقب الذي حملته على مدار عام 2008، ولتترك آثاراً وردود فعل مختلفة في نفوس أبنائها بجميع مستوياتهم وشرائحهم:
الكاتب عيسى فتوح يرى أن احتفالية حلب أفضل بكثير من احتفالية دمشق التي لم تكن بالمستوى المطلوب فيقول: أقيمت احتفالات متعددة ومتنوعة في مجال اللقاءات الأدبية والمحاضرات والأمسيات، ولكن كنا نتمنى أن تكون أكثر زخماً وفعالية.
رغم ذلك سلطت الفعالية الأضواء على هذه المدينة التاريخية العريقة وأظهرتها بشكل لافت للنظر.
يضيف الأستاذ عيسى: كنا نتمنى أن تقوم وزارة الثقافة بهذه النشاطات، وأن تطبع عدداً أكبر من الكتب كما فعلت في العام الماضي في احتفالية حلب، حيث طبعت أكثر من 100 كتاب عن حلب، أما عدد الكتب التي صدرت عن دمشق فكان متواضعاً جداً.
في وزارة الثقافة صدرت سلسلة آفاق ثقافية دمشقية بإشراف الأستاذ خيري الذهبي، فكان لهذه السلسلة وقع جيد واهتمام بالغ، وربما تصدر بعض الكتب في الأشهر القليلة القادمة من عام 2009 كتتمة للكتب التي قررت وزارة الثقافة إصدارها بهذه المناسبة، وقد شارك اتحاد الكتاب بعدد قليل جداً من الكتب التي تتناول دمشق، وصدرت بعض الأعداد الخاصة عن دمشق في بعض الدوريات، ولكنها بالإجمال كانت أدنى مما هو مطلوب ومتوقع.
كنا نتوقع أن تكون الاحتفالية أضخم وأكثر عطاء ولكن العطاء كان متواضعاً بالإجمال.
الأستاذ عوض سعود عوض كاتب وناقد وعضو اتحاد الكتاب العرب قال:
دمشق أقدم مدينة في العالم تستحق بأن تكون عاصمة للثقافة العربية، لأن الإشعاع الحضاري كان في دمشق منذ أقدم التاريخ حتى الآن، والفتوحات العربية انطلقت من الجزيرة العربية ثم من دمشق زمن الأمويين، كما أن جزءاً من ثقافة الغرب جاء من دمشق.
وعن تسليم لقب «عاصمة الثقافة إلى القدس» أردف الأستاذ عوض: القدس أخت دمشق وهي كما قال المغفور له حسن حمامة «القدس كانت أقرب إلى دمشق من أي مدينة أخرى».
القدس وبيت لحم مهد السيد المسيح وفيها كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وملتقى الديانات السماوية الثلاث، وعلى هذا فإن الإرث الحضاري الموجود في القدس بالتأكيد مطابق للإرث الحضاري الموجود في دمشق.
وعن رأيه بالفعاليات والأحداث التي أقيمت بهذه المناسبة يقول الأستاذ عوض: الكمال لله وحده، وأنا كنت من ضمن وفد اتحاد الكتاب العرب الذي ذهب إلى تركيا بهذه المناسبة، وأعتقد أن الإنسان يتعلم من أخطائه ومن الأشياء التي قصر بها.
في الحقيقة كان هناك تقصير من المشرفين على البرامج الثقافية، لأن العديد من المثقفين والكتاب لم يكن لهم دور هذا العام، ولكن ما حصل على العموم أمر جيد لأن الثقافة لم تعد هم المواطن، والمثقفون والكتاب جزء بسيط من الشعب.
كما دعا الأستاذ وزارة الثقافة واتحاد الكتاب ووزارة الإعلام ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي بالاهتمام بالثقافة، من خلال تشجيع الكتّاب والكتب الصادرة في سورية ومحاولة تصديرها إلى خارج القطر ليتسنى للكاتب السوري الانتشار خارج بلده. فإذا ما قارنا كاتباً سورياً بكاتب من بلد آخر أقل منه نتاجاً وأهمية نراه معروفاً على حين الكاتب السوري مغمور الأمر الذي يتطلب منا مضاعفة الجهود ونشر الكتاب خارج القطر.
فردوس خريجة أدب فرنسي: برأيي كثقافة شعوب.. أن تكون دمشق عاصمة للثقافة العربية ثم تنتقل لتكون القدس عاصمة لها فهذا شيء جيد وجميل.. واحتفالية تستحقها العاصمة القدس لكن في الوقت نفسه وخصوصاً بعد عشرين غارة على غزة وعشرات الأطفال والنساء والأعواد الفتية تستشهد في ساعة واحدة.. فأين الثقافة واختناق خناجرنا بالاحتفالات الثقافية وشفافية هذه الثقافة المعنونة باسم القدس لأن الجدير بالذكر الآن هو ما يهدر من دماء ساخنة تمشي عليها الحكام العرب قبل المعتدين وهذا ليس بالأمر السهل أو الذي يجب أن نغفل عنه؟
ربما مقالاتنا وما نقوله كل يوم لن يحرك ساكناً ما دامت إسرائيل تخترق قوانين دولية بحد ذاتها... لكنها تبقى قضيتنا الأهم وشغلنا الشاغل ولو بين أنفسنا خجلاً مما يحدث ومما سيحدث... وربما تزامن الاحتفالات بهذه مناسبة لا يتناسب مع أحداث اليوم... لأنها ستبقى القصة الكبرى ولن نشعر بأهمية حدث كهذا فعال ومهم لأن تكون القدس المنهارة.. عاصمة للثقافة العربية.
لأنه يجب أن ننهض نحن العرب لنقوم بالقدس.. والأقصى.. وغزة.. سالمة غانمة وننقذها من براثن العدوان أولاً وقبل استنزاف الاحتفالات يجب علينا أن نوقف الاستنزاف الذي يحدث في غزة والأجدر بنا أن نفعل لا أن نقول فقط.. وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
الصحفي ثائر زعزوع: يرى أن دمشق لم تكن في حاجة لإعلان لتقول إنها عاصمة للثقافة العربية، فهي واحدة من المدن التي شهدت تفتح الوعي العربي، وكانت عاصمة من عواصم النهضة العربية التي ظلت وللأسف مشروعاً لم يكتمل في بدايات القرن العشرين، ولكنه تقليد أريد منه حث الثقافة العربية المتعثرة إلى الأمام قليلاً، وكانت أمانة الاحتفالية تسابق الزمن خلال عام لإثبات أنها قادرة على استقطاب أكبر عدد من الفعاليات والرموز فوفقت مرات وأخفقت مرات، بدأتها بفيروز وهذا باعتقادي توفيق كبير، لكن شهدت الاحتفالية تفاوتاً مدهشاً وأوكلت النشاطات إلى هواة فصاروا قيمين على نتاجات الكثير من المثقفين، غاب العنصر المدهش باستثناء مسرحية نهاية الأراضي لفيليب جانتي ومجموعة حفلات زياد رحباني، أما ما تبقى فقد ظل ضمن إطار التوقع الذي قامت به العواصم العربية كلها، الغريب أن الأمانة وحدها كانت تعمل، بمعنى أن شوارع دمشق ظلت نفسها ولم يتم طلاء شارع واحد ليضفي متعة لونية على المكان، الذي يحتفى به على سبيل المثال، والكتب التي صدرت بالمناسبة كانت عاديةً بمعنى أنها لم تقدم للمكتبة جديداً، لأن من قاموا عليها لديهم اعتبارات غير تقديم الجديد على ما يبدو، لا أقصد كتابها بل أولئك المشرفين الانتقائيين لأسباب كثيرة...
والسؤال الذي أريد أن أطرحه على أمانة الاحتفالية وهي تستعد للتكريم وفق ما جرت العادة هل الثقافة مسرح وسينما وحفلات غنائية ومعارض تشكيلية أم إن الثقافة نمط حياة يبدأ بالطعام واللباس والتقاليد وصولاً في آخر القائمة إلى فنون الإبداع؟
رولا خريجة صحافة وإعلام عبرت عن رأيها بالاحتفالية: دمشق أقدم عاصمة في العالم تستحق أن تكون عاصمة للثقافة العربية وقد سعى القائمون على الاحتفالية لإقامة فعاليات رائعة كانت أهمها استضافة فيروزة الغناء العربي فيروز لتقديم مسرحية صح النوم وهذه كانت من أهم الفعاليات باعتقادي وكانت لفتة جميلة لتأكيد أن الثقافة والفن الرفيع فوق كل شيء وأيضاً المنتديات والمؤتمرات الثقافية كانت جزءاً مهماً من نشاطات الاحتفالية وأعتقد أن دمشق كانت عاصمة للثقافة العربية عن جدارة.
سعاد طالبة جامعية ترى: أن دمشق لا تحتاج لألقاب، أو شعارات لإثبات عروبتها وعمق ثقافتها.... فتقول: اسم دمشق هو من أعطى الاحتفالية بريقاً وتألقاً، فكان حفل الافتتاح أكثر من رائع، وزاد الحدث قيمة بحضور فيروز وجوليا وزياد الرحباني ومؤخرا مارسيل خليفة. ولكن شهدت الاحتفالية فعاليات لا قيمة لها ولم تضف للمناسبة... كما أن هناك عدداً من العروض أخذت حقها بالإعلان عنها في الوقت الذي همشت أعمال أخرى.
ولابد من الإشارة إلى أن هناك جهات استغلت المناسبة فبدأت تروج لأعمالها وأحداثها باسم الاحتفالية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية