انتصر الأسد..فماذا بعد؟... عدنان عبدالرزاق*

مهجر من غوطة دمشق - جيتي

نالت "هزائم الثوار" بغوطة دمشق الشرقية، وما تخللها من "ضفادع" وأسرار، من همم وتطلعات، وربما من آمال السوريين، بل وأدخلت الشك بدواخل بعضهم من الانتصار وتحقيق الأحلام بالحرية والعدالة وتداول السلطة، ورمت ببعضهم إلى دوائر الحيرة وإعادة التفكير، بما في ذلك "قبول الهزيمة" والاعتراف بها.

وظهرت إثر مشاهد حالات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، تيارات وأفكار، ربما أهمها من يرى أن كل ما يجري، إنما يصب -نهاية- في صالح الثورة السورية، لأنه نظفها مما شابها وركب عليها، من أسلمة ووصاية ومراهقين، وعلى الأرجح، برأي هؤلاء، أن تنطلق "حالة" جديدة، أشبه ما تكون بمرحلة الثورة الأولى وما تخللها من صوفية ووطنية ووضوح الهدف والغاية.

والأهم، أن تعرية من سرق تمثيل السوريين، وعلى الضفتين، العسكرية والسياسية، سيفسح المجال للانطلاق الجديد دونما أخطاء وتسليم مصائر سوريا، إن لسراق الثورة والحلم، أو حتى للدول التي ادعت تأييد ودعم حقوق السوريين.

قصارى القول: ربما لا تخلو جلسة، لمثقفين ووطنيين سوريين هذه الآونة، من طرح تأسيس مشروع أو تيار وطني، خارج عن الروحانيات والمناطقية والتبعية، يكون خلا له للمثقفين الذين تم إقصاؤهم أو نأوا بأنفسهم، خلال السنوات الفائتة، الدور الرئيس، ليعيد إحياء الثورة السورية، بأدوات وطرائق مختلفة، ويستفيد من كل ما جرى، من انزياحات وأسلمة وارتهان للخارج.

ويرى هؤلاء، أو معظمهم، أن الفترة اليوم، جد مناسبة، بعد أن تم افتضاح "الثورجية" بمختلف أشكالهم، وكشف أهداف الدول التي ادعت منذ البداية، مصالح السوريين، وتم التأكد والتأكيد القاطع اليوم، أنها تدخلت لسببين، تحقيق مصالحها وهواجسها عبر دم السوريين، أو منع هذه الثورة من الانتصار، لئلا تصاب بلدانهم بشررها، فتكون بداية لتغيير شامل، يتعدى الحدود السورية الجغرافية.

بل ولاحظنا مساع كثيرة، وإن مازالت بمراحل البلورة أو الأماني والتفكير بصوت عال، ليس إلا.

والملفت ربما، ذاك التصميم والآمال التي يمتلكها "هؤلاء" رغم كل الذي حصل، سواء من تحوّل الأرض السورية لمعركة دولية واقتسام مصالح وإثبات وجود وقوة، أو حتى ما يواجهونه من "تحبيط وجرعات عقلانية" كبيرة، ممن يدعي معرفة الغيب أو تملكه الإحباط وسكنته اللاجدوى أو حتى، ذي مصلحة ومنافع مما آل إليه الحال.

نهاية القول: لو نظرنا وبموضوعية، لكل جوانب الحالة السورية، فهل يمكننا اعتبار نظام بشار الأسد قد انتصر، ليس من قبيل الجدل والسفسطة أو مواساة الذات، كأن نقول إنه سقط منذ أول قطرة دم أراقها أو نسأل على من انتصر، أو حتى كيف انتصر وأعلام أربع دول- طبعا قبل دخول القوات الفرنسية أخيراً- ترفرف على أراضي سوريتنا.

لا، بل ووفق منطق الربح والخسارة التي يعتمدها نظام الأسد نفسه.

واقع الحال يؤكد، أن نظام الأسد خسر وبكل ما يمكن لشبيحته من وضع معايير للربح والخسارة، سواء على صعيد أعداد القتلى بصفوف عصابته أو الخسائر الاقتصادية التي لحقت باقتصاد سوريا أو حتى بأرصدته وآله، سواء التي تبددت أو تم حجزها بعد أن تم فضحها وكيف تتم سرقة مقدرات السوريين منذ عقود، لتضخيم ثروات نظام سارق يدعي الوطنية ومكافحة الفساد وتطوير البلاد. أو بمدى تقبله وتسويقه إلى ما قبل آذار مارس 2011.

بل حتى وإن قفزنا على جدلية "المنتصر والخاسر" رغم أن سوريا والشعب برمته ورمتها، هم الخاسرون جراء حرب آثر النظام تسويقها ليطمس معالم ثورة مشروعة ومحقة، لنسأل: هل يمكن للسوريين العودة عن كل أحلامهم، وقبول بواقع الأمر الذي يحاول "الكبار" فرضه، بعد تشويه كل شيء؟!.

وهل يمكن تناسي كل التضحيات، إن تم تقاسم سوريا بين أوصياء ومستعمرين، ادعوا فيما مضى، الديمقراطية والتأييد للثورة والشعب؟!

والأخطر ربما، هل يجوز، وفق كل المعايير التاريخية والإنسانية، الصفح عن نظام وصل لدولة برلمانية عبر الجهاز التناسلي وليس جهاز الصناديق والانتخابات، ليستمر بعد نصف قرن من حكمه وأبيه، وما تخلل تلك العقود السوداء، من سرقات وتجهيل وتطييف واستبداد، ليعود لبناء دولة التجانس، وينتقم من كل من سعى أو حلم بالحرية والعيش بدولة مواطنة تُساوي بين كل من عليها، بالحقوق والواجبات.

الإجابات جميعها على ما نحسب تتمحور حول "لا" ليبقى السؤال المعلق، كيف نعود للحلم بدولة مدنية ديمقراطية، وهل بقي لدى أحد، الهمة والقدرة، بعد كل مشاهد الاحتلال والخيانات والاستقواء التي مارسها "أهل الثورة" على الثورة أولاً.

هنا وعود على بدء، يبدو التحرك اليوم، لتأسيس تيار سوري وطني، ضرورة تاريخية، بل وبالفعل ووفق كل المقاييس، أن الفرصة سانحة الآن، ولعل في وعي الشارع السوري ورفضه للمستبدين، وعلى كلا الطرفين، أسديين عنصريين ومتأسليمن جوعى ومتخلفين، يزيد من الإغراء لتأسيس هذا الحلم الخلاص.

صحيح أن العقبات والإحباطات متنوعة وأكثر من أن تحصى، لكن بعضها سيسقط منذ قرار وتأسيس "المشروع" ويسقط جزء منها بعد توافق السوريين ووضع الأهداف والغاية وطرائق تحقيقها بشكل علمي وعملي يأخذ التنوع والواقع والمصالح بالحسبان...وربما يسقط ما تبقى من صعوبات، حينما يشعر العالم أن ثمة سوريين واقعيين ومتخصصين، قد أسسوا كياناً سورياً، بشكله وحلمه ومضمونه، فيمد لهم اليد وتسقط جميع الأعذار، أو معظمها، كتلك التي تقول "لا يوجد بديل للأسد" أو سوريا المستقبل تهدد مصالح واستقرار الآخرين.

إذاً، لا بد من انطلاقة رغم الخيبة، انطلاقة مبعثها سوريا ومطلقها سوريون متوازنون، يتعالون على الضوء والأنا والمنافع والارتهان، فإن فعلوا خلال هذه المرحلة التحولية المهمة، سيعيدون الأمل، وإن لم يفعلوا، فربما يفوّتون فرصة أمام التاريخ ربما يبكون لضياعها، لعقود أسدية مقبلة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(205)    هل أعجبتك المقالة (185)

مواطن

2018-04-08

لم يكن لهذه الثورة أن تنتصر بسبب السوريين المؤيدين للثورة أنفسهم، لم نكن جميعًا مخلصين، لم نصنع قادة ونبذل لهم الغالي والرخيص، لم نكن مؤهلين للعمل الجماعي وعزة النفس والنهوض بمشروع لبناء وطن... كان الكثيرون ينتظرون عون الأجنبي ماديًا وسياسيا بينما هم يقامرون بمصيرهم ومصير سورية. أثبتنا فعلا بأننا شعب يشتري راحته ولكن لا يشتري حريته، وفضلنا الهرب واللجوء الذليل على النهضة ببلدنا... أحسن شيء أن تنشق الأرض وتبلعنا.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي