مما لا شك فيه أننا نعيش اليوم أسوأ ما مرّت فيه الثورة السورية منذ انطلاقتها قبل سبعة أعوام ونيّف، وكانت قبل ذلك مرّت بمحن كنّا نقول معها كلاما مشابها، أما وقد وضعت الحرب أوزارها إلى حد كبير مع انكشاف الغطاء عن الفصائل الإسلامية التي صنّع النظام بعضها وسيّر بعضها الآخر، وانهزام الجيش الحر مع استلاب أمره في أصغر الأمور وتوقف الدعم عن غالبية مكوناته الفصائلية، يمكن الجزم بأننا دخلنا مرحلة الحسم النهائي.
تكاتفت عوامل كثيرة واتحد أعداء كثر على قضية السوريين العادلة، وكل ذلك لم يكن كافيا لهزيمة إرادة الحرية لولا إسهام الفصائل الإسلامية في الحرب غير المعلنة إلى جانب النظام على الجيش الحر بتمويل من الدول الثرية والقوية إقليميا، هذا الجيش الذي حقق خلال في السنوات الثلاث الأولى انتصارات أرعبت الطغاة ومن يقف خلفهم.
روسيا وإيران ومرتزقة من 36 دولة يمثلون كل الطيف الإجرامي من أعتى المتشددين الجهاديين إلى نقيضهم تماما على الطرف الآخر ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لم يستطيعوا وقف تمدد الحر، فتم اللجوء لضبط تمويله ونخره داخليا وتشديد القصف عليه جوّا لا سيما من الطيران الروسي.
لا يمكن القبول بمقولة هزيمة الثورة لأنها باقية وتتمدد في صدور الأحرار، ولأن أغلب الفصائل التي انهزمت وسلّمت مناطقها هي تلك التي قاتلت إلى جانب الأسد ونصرته، وهي غير محسوبة على الثورة، وهذا ما يدركه السوريون جيدا، وعلى ذلك يمكن اعتبار الأسد بمثابة المنتهي لانتفاء مبرر وجوده الذي ادّعاه منذ البداية وهو محاربة الإهاب، حيث انكفأت أغلب الفصائل المتشددة وتكاد تنتهي.
يتفق جميع الفاعلين على الساحة على ضرورة إنهاء التطرف الإسلامي وإرهابه وهي لن تسمح للنظام (مع الأسد أو بدونه) بممارسة القتل كما فعل سابقا، وهذا ما يفتح خيارات واسعة أما السوريون الأحرار للعودة إلى الساحات والمطالبة دون خوف هذه المرة بالحرية والكرامة والديموقراطية.
كذلك في مناطق النفوذ الروسي والأمريكي والتركي وغيرها لا يمكن لهذه القوى ممارسة الإجرام بحق المتظاهرين، وستكون مضطرة للاستجابة للكثير من مطالب المحتجين، وهذا ما يبشر ببداية التحوّل إلى الديموقراطية.
قد لا تنتصر ثورة السوريين المتتابعة كليّا ولكنها لن تهزم، وهذه سيرورة تاريخية وناموس كوني حفظه الزمن وهناك الكثير من الشواهد عليه، ولن يكون على هؤلاء إزاحة قيادات العسكر والسياسة التي تحكّمت بهم في المرحلة الأولى من الثورة لأنهم سيزولون آليا، وسيبحث طلاب الحرية عن قيادات تمثلهم لا تسرقهم وتسرق حراكهم وتتصدر مشهدهم.
مرحلة قاسية وربما طويلة نسبيا، وتتويجها بالحرية سيكون على حساب كل تلك الضحايا التي قدّمت على مذبحها، وكل ذلك الدمار والتهجير والتطيّيف الذي غذّته دول كبيرة طالما ادّعت الإنسانية والعدالة والمساواة.
من الصعب قبول المتغيرات الطارئة على خارطة التوزيع السكاني والطائفي التي تعززها مرحليا المراسيم والقوانين التي يصدرها بشار الأسد، ولا يمكن لعاقل الركون إلى الواقع المصطنع، فمن بنى في بستانه الذي ورثه عن جده منزلا ربى أطفاله فيه سيعود إليه ومن اشترى شقة بعرقه الذي سال طوال سنين سيسكنها مجددا، إن لم تدمّر، ولن يكون أمام الإيراني أو غيره فرصة طويلة للتمتع بها، ولن تكون هناك قوة فاعلة تستطيع ضمان بقائه فيها، لأن العدالة قادمة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية