لم يكتف الأسد باستعراض انتصاره في الغوطة الشرقية عبر بواباته الإعلامية التي صورت المعركة على أنها إنجاز تكتيكي لقوات (النمر)، وانتصار كبير على قوة كبيرة بإمكانات خرافية وبأقل عدد من القتلى والجرحى والعتاد في صفوف ميليشاته.
أيضاً دارت كاميرات تلفزيون النظام ومواقع التواصل في كل شبر من الغوطة لرصد ما فعلته العصابات الإرهابية بأبنيتها، وكيف دمرت ممتلكات المواطنين، وصور الأنفاق المرعبة، وسجون الفصائل المظلمة وطرق التعذيب.
التقى المراسلون على ممرات الخروج ببشر يزحفون على بطونهم وجراحهم، وانتظرتهم سيارات الماء مع أعضاء مجلس الشعب، والشخصيات البعثية العليا، والتجار المتلهفين للقاء المحاصرين، وعناصر الجيش الذين يعانقون أمهاتهم اللواتي يتضرعن إلى الله لإتمام "النصر الإلهي".
في جانب آخر عمل النظام على سكان العاصمة ورصد أفراحهم، وتوزيع حلوى الفرح بتحرير الغوطة، وإطلاق النار في كامل شوارع المدينة التي توقفت عنها قذائف "الإرهاب التكفيري"، ودب الأمان في عروقها المرتجفة بعد سنوات القصف العشوائي.
وفي إطار حفلة استكمال النصر بدأ ينشر بين مؤيديه فكرة نهاية الحرب، وبداية العمل على مكافحة الفساد وشن معارضوه الداخليون سلسلة من الانتقادات لأداء حكومة خميس المترهلة، وعدم قدرتها على مجاراة عظمة النصر، وفشلها في أن تكون حكومة حرب.
من مفردات السمفونية الجديدة نقل المحاسبة إلى مجلس الشعب، ومنها مشهد المطالبة بمحاسبة النائب "محمد قبنض" الذي ظهر في أحد التسريبات وهو يوزع الماء على مهجري الغوطة ويطالبهم بالهتاف للأسد، والنكتة هي أن من طالب بهذه المحاكمة هو الشبيح الممثل "عارف الطويل" الذي طالما كان أحد دعاة قتل المدنيين في المناطق المحررة.
في غمرة كل هذا...لم يسأل أحد من ضيوف إعلام النظام وحتى قنوات التحالف الأسدي الروسي عن حجم الخراب الذي سببته الطائرات الروسية، والجحيم الذي صب على بلدات الغوطة على مدار شهر كامل من الموت الذي أزهق أرواح الآلاف من الأطفال والنساء، وعائلات بأكملها ماتت تحت أنقاض بيوتها.
فرح أنصار النظام البائد كأنهم هم من حققوا النصر على شعب الغوطة الذي صمد سنوات الحصار والجوع والقتل، وكأن نمرهم الورقي هو الذي خطط وجهّز لهولوكست العصر السوري.
في نفس الوقت يستعد الأسد عبر ما تناقلته وسائل إعلامه إلى الحرب القادمة في الجنوب، وعن السيادة الوطنية، وسورية الواحدة التي لا تقبل القسمة إلا عليه وحده، وكذلك التلويح بمعارك الشمال على كل المهجرين الذين يتم قصفهم بعد حين وآخر في الأسواق الشعبية والبيوت التي اعتقدت أنها آمنة.
يعتقد الأسد وللأسف بعض ممن هم محسوبون على الثورة أنها انتهت، وأن دماء الشهداء بردت في تربتها، وأما أبناء الثورة الذين لم يتلوثوا بعد بمال التمويل ودولارات الاستخبارات فما زالوا على عهدهم...أليست مواويل المهجرين بسلاحهم الفردي ودموعهم ووعدهم بالعودة دليلا على أنها لا يمكن أن تموت؟.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية