اتصل بي صديق يعيش في مناطق النظام، يشكو لي سوء أحوالهم في أعقاب مزاعم النصر على "المؤامرة الكونية" التي بثها النظام بين مؤيديه وعساكره، بعد السيطرة على الغوطة الشرقية، فقال لي: ما أبشع الجبان إذا انتصر.. ! فهو يشبه تماما "الجوعان" إذا شبع، وأضاف: لم يعد هناك مكان في سوريا صالحا للعيش بأمان وسكينة.
وعندما استفسرت منه عما يحدث بالضبط، أجاب: بكل بساطة، لقد تحول مؤيدو النظام وحاضنته الشعبية وعساكره منذ دخولهم إلى محيط الغوطة، إلى "بغال" فالتة في الشوارع، يطلقون الرصاص في كل الاتجاهات، ويعتدون على من يشاؤون، وذلك بفضل الدعاية الإعلامية التي ينشرها النظام بأن هذه آخر المعارك، وقد استتب لهم حكم سوريا إلى الأبد.
وتابع هذا الصديق: قبل أربع أو خمس سنوات، هؤلاء أنفسهم كنت بالكاد تسمع أصواتهم، وفي فترة من الفترات تحولوا إلى مساكين، وكانوا يقولون لنا، إنهم يدافعون ويموتون عن الأسد رغما عنهم..أما الآن فقد علت أصواتهم من جديد، وأصبحوا يعلنوها صراحة، أن من يرفع رأسه بعد اليوم، لن يكون مصيره إلا "الدعس"، لا فرق في ذلك بين الطفل أو المرأة أو الطاعن في السن.
طبعا ما يقوله هذا الصديق، ليس جديدا أو مستغربا، وهو كان متوقعا منذ اليوم الأول للثورة، أنه في حال فشلها، فإنها ستتحول إلى مذبحة بحق أنصارها والمتعاطفين معها.. لكن المستغرب بالفعل، هو تسويق النظام لفكرة أنه انتصر، فهو تسويق مستعجل، ويهدف بالدرجة الأولى لشحذ همم مؤيديه وحشدها من أجل خوض المزيد من المعارك والمذابح، كما أن النظام من جهة ثانية، لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي، وذلك حتى لا ينكشف على الأزمات الحقيقية والعميقة التي يعاني منها، كنتيجة لهذه الحرب، بل من مصلحته أن تستمر، لأنها حله الوحيد لتجميع أنصاره ومؤيديه حوله.
أو باختصار، لم يعد النظام قادرا على العيش والاستمرار بلا حروب بعد اليوم، فهي الطريقة الوحيدة لإشغال الجميع، سواء من الحاضنة الشعبية، أو من الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية التي تحارب معه..لأن نهايتها يعني البدء بتقاسم الحصص وتوزيع الأجور والأرباح كل حسب جهده، وخصوصا أنه لدينا قوتين، وهما إيران وروسيا، تقولان وعلى الملأ، بأنه لولاهما لسقط الأسد، فكيف تستطيع أن ترضي من يقول لك بأنه وهبك الحياة من جديد..؟! ولعل بشار الأسد يدرك هذا الأمر، وبالتالي ليس من الجيد بالنسبة له أن تستقر الأمور.
لذلك يتوقع الكثيرون، أن نشهد ولادة عصابات من رحم النظام ذاته، ومن عظام رقبته، سوف يكون لها شأن كبير في المرحلة القادمة، ولا نستغرب أن يكون بشار الأسد ذاته هو من يعمل عليها ويحضرها، من أجل إثارة قلق القوات الروسية والميلشيات الإيرانية، التي ستستقر على الأرض السورية، وستنازعه سلطاته، لأنه إذا لم يفعل ذلك، فلن يكون ثمنه بعد اليوم أكثر من "شوفير" تكسي في شوارع دمشق.
وعلى جانب آخر، المتابع لتطورات الأحداث وهذا النهش الذي يحدث للأرض السورية، ولمقدرات البلد الاقتصادية، ونضيف عليها عمليات النهب والسرقة التي سمح النظام لجنوده أن يمارسوها في الغوطة الشرقية دون خجل أو وجل، بعد تهجير أهلها، يعطينا فكرة وافية عن علاقة جنود النظام بفكرة النصر، فهي لم تعد تتعدى فكرة الغنائم، التي انتقلت عدواها لمن هم أبعد عن مناطق الحدث، فتحولوا هم الآخرون إلى وحوش، ويريدون أن يكون لهم حصة من هذه الغنائم.
لهذا، عندما تحدث معي هذا الصديق، كان ينقل لي صورة لأشخاص، تشع من عيونهم معاني الاستباحة، لكل من يشعرون أنه أضعف منهم.. والأمر يتعدى موضوع نشر الرعب بين الناس، فهؤلاء ما عادوا يتحركون بناء على أوامر عسكرية، أو مخابراتية، أو بناء على حسهم الموالي للنظام، وإنما أصبحت تحركهم غرائزهم الحيوانية، التي يعنيها بالدرجة الأولى، البحث عن المنفعة الفردية، بعدما شاهدوا كبيرهم يتنازل عن الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على حياته فقط.
وكانت آخر عبارة قالها لي صديقي هذا: أرجوك أريد أن أخرج من سوريا، فهي لم تعد مكانا صالحا للحياة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية