لا تخوض الولايات المتحدة الأمريكية اليوم حربا معلنة في أي دولة من العالم، لكنها تخوض حروبا افتراضية مفتوحة في كل من أفغانستان واليمن وليبيا والعراق وسوريا بدعوى محاربة الإرهاب، حيث تشنّ طائراتها غارات غير منتظمة وتنفذ عمليات إنزال عند حاجتها لذلك، ويتضح من نوعية هذه العمليات العسكرية أنها تستهدف أشخاصا لا تنظيمات، وهي تالياً لا تستهدف محاربة الإرهاب بل مطلوبين محددين لغايات تخص الأمن الأمريكي.
لا يوجد ما يردع أمريكا عن شنّ الحروب، فهي تتجاوز العالم ومؤسساته الدولية عندما تقتضي مصالحها ذلك، وهذا ما فعلته في بنما والعراق وليبيا، وهذا ما يدفع للتساؤل عن دوافع حرب أمريكية محتملة على نظام بشار الأسد في سوريا.
بعدما سقطت كل شعارات الإنسانية وادعاءات دعم الديموقراطيات والحريات في العالم، تسعى أمريكا فقط وراء مصالحها في سوريا غير آبهة بإرهاب بشار الأسد الذي أودى بمئات آلاف السوريين ودمر البلد، وتُظهر تطورات الأحداث في سوريا أن أمريكا تحقق مصالحها عبر شركائها بالوكالة دون الاضطرار لخوض حرب مباشرة ضد أي طرف على الساحة السورية، حيث يبدو أن كل المتقاتلين يقدمون لها الخدمات المجانية مقابل صمتها عن تحركاتهم لتحقيق بعض مكاسب لهم، وهي غالبا صغيرة إذا ما قورنت بالجنى الأمريكي.
لقد قدّم نظام بشار الأسد لأمريكا بشكل مباشر وعبر الفصائل المتطرّفة التي أسهم بتشكيلها كل ما تريد، حيث تحرّك وحرّكها وفق الأجندة المصالحية لأمريكا ليضمن استمراره في الحكم، وقد نجح بإرضائها تماما، فتجاوزت عن كل جرائمه حتى الكيماوية منها، ولم تشعر بتأنيب الضمير لتخليها عن دورها في حماية الأمن العالمي والإنسان.
وجد أوباما أن المصالح الأمريكية في سوريا تتفق مع مصالح إيران فتغافل الرئيس الرخوي عن تدخلها والممارسات الإرهابية للميليشيات التي شاركت الأسد إجرامه وأسهمت باستمرار حكمه، لتخوض حربه بالوكالة ضد ثوار سوريا، الذين أثاروا خوفه وشركاءه الإقليميين من انتصار يفتح أبواب حريات وديموقراطيات تغزو المنطقة وتهدّد عروشا طالما عملت أمريكا على حمايتها.
أما ترامب الذي وصل لسدة الحكم حاملا بجعبته وعودا بالحدّ من نفوذ إيران، هو الآخر لا يزال يتفرج على تمدد إيران في اليمن وسوريا وأحدثه استيلاء ميليشياتها على محيط العاصمة الغوطة الشرقية، ولكن مع اكتمال تشكيل فريقه شبه المختلّ الميّال للتدخل العسكري لضمان المصالح الأمريكية يمكن الحديث عن تصاعد احتمال توجيه ضربة عسكرية للأسد والميليشيات الإيرانية، ليس بالضرورة أن تكون قاصمة بل تستهدف الحدّ من قدرتها على التمدد.
في المعادلة السورية يبدو الحضور الإسرائيلي الغائب عن الإعلام الأكثر قوة، ودأبت الإدارات الأمريكية على وضع المصلحة الإسرائيلية في طليعة أولوياتها في سياساتها الشرق أوسطية، وهي تتفق حتى اليوم مع استمرار الاقتتال في سوريا الذي أفرغ جعبة النظام من الأسلحة الثقيلة وفتح المجال للطيران الإسرائيلي لتدمير سلاح الدفاع الجوي الذي لم يجد منفذا لاستهلاكه في المعارك.
ولا شك أن إسرائيل لا تخشى من غضبة الأسد أوتفكيره بتهديدها، وهو الذي دأب (ومن قبله والده) على حماية حدود إسرائيل وعملا مع حزب الله على إبعاد الفصائل الفلسطينية غير المنضبطة عن حدودها، بل إن ما تخشاه هو وصول أنواع من السلاح الفعّال لفصائل ثورية أو فوضوية قد تلجأ لتهديد أمن إسرائيل، لذلك اتفقت مع بقية دول العالم على عدم إنهاء المقتلة السورية قبل استنزاف الجميع.
مؤشرات على تحرّك أمريكي وشيك باتجاه إنهاء حكم الأسد والمعلومات التي تم تسريبها حوله تبدو منطقية نظرا لاكتمال مهمة الأسد في القضاء على كل مظاهر التمرد السوري على استمرار الخضوع للخارج وتدميره لمظاهر القوة المدنية والعسكرية، ولكن هذا التحرك لن يتعدى قتل بشار الأسد وتدمير ما تبقى من السلاح الثقيل، وبذلك تظهر أمريكا أو إسرائيل بصورة المنقذ للسوريين، ولكن الاحتفاظ بالنظام أمر مفروغ منه لأنه الجهة الأكثر موثوقيّة بالحفاظ على أمن إسرائيل ومطواعيّة مع الغرب.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية