أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مقدمته ثنائية الدم والنحاس... صراع الجبابرة يطيح بضابط رفيع من القرداحة عن رأس أعتى فروع الأمن

صورة تعبيرية لأحد جنود النظام - ارشيف

أدت تداعيات زلزال "مقتلة" حي القدم إلى كف يد واحد من أعتى ضباط الأسد المخابراتيين، ورئيس أهم فروع الأمن في دمشق، الفرع 227 المعروف بفرع المنطقة، وذك بعد بضعة أيام من حدوث المقتلة التي أودت بحياة أكثر من 100 عنصر من جيش ومرتزقة النظام بينهم على الأقل 8 ضباط، كما علمت "زمان الوصل" من مصادرها.

فقد كف "بشار الأسد" يد "العميد عبد الكريم سليمان" عن رئاسة فرع المنطقة، رغم أن الأخير يعد من أشد الضباط موثوقية، فضلا عن تحدره من نفسه مسقط رأس بشار، أي القرداحة.

وقبل الشروع في عرض ملابسات وخبايا هذا القرار، يهمنا التأكيد على أن جميع ما سنورده هنا منسوب لمصادرنا التي زودتنا بمعلومات دقيقة وبالأسماء والتواريخ عن كثير من القضايا المرتبطة بالملف، والتي تكشف تشعباته وارتباطه بصراعات على مراكز التحكم والنهب، بعضها سنصرح به وبعضها سنكتفي بالتلميح إليه ريثما يأتي وقت الحديث عنه لاحقا.

*الفرع الفقير
ففي أواسط الشهر الجاري شهد حي "القدم" مقتلة كبيرة راح ضحيتها نحو 120 عنصرا من قوات النظام، معظمهم من اللواء 240 إشارة، ومن سرية المداهمة 215 (مخابرات اعسكرية) المشهورة بصيتها الإجرامي.

وباعتباره مسؤولا عن عمليات قطاع "القدم" بشقيها المخابراتي والعسكري، فقد كان "سليمان" في نظر كثير من أهالي القتلى بمثابة المتهم الأول بهذه "الخيانة" التي أفضت لوقوع "المذبحة" وفق وصفهم، حيث أعمل تنظيم "الدولة" قتلا وحرقا وأسرا بالمجموعات التي أعطاها "سليمان" أوامر فورية لاقتحام الحي، أملا في السيطرة على صيد ثمين وسمين، تمثله مستودعات مليئة بأطنان من النحاس.

وقد وجد "سليمان" أن أنسب فرصة للاستفراد بهذا الصيد هو توقيت اقتحام الحي على ساعة خروج حافلات المهجرين من الفصائل المسلحة وذويهم من الحي، وهكذا دفع بحشود خلفها حشود إلى النقاط المستهدفة، تحت غطاء ملء الفراغ الذي ستخلفه الفصائل المسلحة، بينما كان الهدف الحقيقي متمثلا بالسيطرة على مخزون مستودعات النحاس المقدرة بمئات الملايين، حتى ولو كلف الأمر مقتل القوات المقتحمة.

وإثر هذا الاقتحام قتل وأسر العشرات بينهم ضباط، في مقدمتهم العقيد ثائر دنورة، والنقيب مقداد محسن حسن (ناحية عين شقاق)، بل إن بينهم للمفارقة "ملازم شرف" يدعى "أحمد علي سليمان"، لكنه من فرع "سليمان" الفقير والمسكين، إذ يتحدر من "قبيبات" التابعة للصبورة بريف سلمية، وليس من فرع "سليمان" المدعوم بفضل انتمائه للقرداحة.

وتؤكد مصادرنا أن هناك عدة أسباب جعلت من "مقتلة" القدم تأخذ هذا المنحى التصاعدي لدى النظام، ليس من بينها بالتأكيد أرواح من سقطوا فيها حرقا وذبحا وقتلا بالرصاص، وإنما لكونها صراعا شرسا هدفه إزاحة رأس كبيرة من منطقة "جنوب دمشق" التي تمثل منجم كنوز لم تطلها يد حيتان العفيشة.
فقد حدثت "مقاتل" كثيرة في مناطق وأوقات مختلفة، راح فيها عشرات أضعاف ما راح في "مقتلة" القدم، ومع ذلك فإن النظام لم يحرك ساكنا بحق من تورطوا فيها من ضباطه، بل إنه عمد إلى ترفيعهم وتخويلهم مزيدا من الصلاحيات، ومنهم على سبيل المثال "محمد خضور".
ففي الفرقة 17 والطبقة اختفى أثر مئات عساكر النظام بين قتيل ومفقود، وابتلع حقل شاعر في معركة واحدة من معاركه 270 عنصرا أواسط تموز 2014، ولكن كل ذلك وغيره لم يهز شعرة من رأس بشار، رغم علمه بالتفاصيل، ولم يدعه لاتخاذ أي إجراء ضد ضابط متوسط في جيشه، فما الذي يدعوه لتأديب وعزل ضابط مخابراتي رفيع بوزن "سليمان".

*مكتب غنائم الحرب
وحتى نفهم من هو "سليمان" فإننا نعود لنؤكد أنه ابن "القرداحة" وابن عائلة نافذة فيها وفي مفاصل النظام، وهذا ما يفسر إيلاءه الثقة الكاملة وتسليمه رئاسة الفرع المخابراتي الأخطر في دمشق، وربنا في سوريا، فقد سبق لمعتقلين في "فرع المنطقة" أن أخبروا "زمان الوصل" أن الصيت الأول للوحشية هو للفرع 215، بينما الفعل هو للفرع 227، حيث تتواجد طبقات من الزنزانات والمهاجع (قاعات السجن الجماعية) التي يتكدس فيها آلاف المعتقلين فوق بعضهم، وتستخدم فيها ضدهم فنون من التعذيب والقتل يصعب وصفها، لكنها في المحصلة تحيل "فرع المنطقة" مسرحا للرعب و"خط إنتاج" متواصلا للموت.

وإلى جانب ذلك، فإنه لم يمض على تولية "سليمان" للفرع 227 سوى عام فقط، حيث تسلمه في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، خلفا لـ"العميد إبراهيم الوعري" الذي نقل لرئاسة فرع الأمن العسكري في حمص، خلفا للواء القتيل "حسن دعبول".

ولأن "النحاس" مادة أساسية في معارك جنوب دمشق واتفاقاته المعلنة والسرية، فإن هذا المعدن "النفيس" كان وما زال مادة للمعارك التي تجري في كواليس نخبة الضباط، وفي مقدمتهم "ماهر الأسد" الذي يعد فرقته الرابعة (وتحديدا مكتب الأمن فيها) مخولة بكل صغيرة وكبيرة في ملف "غنائم الحرب" وأتاواتها، وعلى الجميع أن يحسب حسابها ويقتطعه من "رأس الكوم".

ولكن إزاحة ضابط مثل "سليمان" لم تكن بالأمر المتيسر، استنادا إلى منصبه ومرجعيته الطائفية والمناطقية، وقد جاءت "مقتلة" القدم لتعطي خصومه من ذوي الأوزان الثقيلة ورقة رابحة، سرعان ما استخدموها ضده، ليس في سبيل إحقاق حق أو تطبيق عدالة، بقدر ما هو في سبيل إزاحة هذا الضابط عن قطاع الجنوب الدمشقي، ليعملوا بـ"أريحية" أكبر.

وإزاء ذلك، جاء قرار كف يد "سليمان" عن الفرع 227 كحل وسط، بين المحاسبة -التي ليس لديها مكان في قاموس النظام- وبين الإقالة، وهذا ما يثبت أن القرار جاء بهدف إبعاده عن ساحة "مناجم النحاس"، وتغييبه عن المشهد إلى حين، ريثما يتم إلحاقه بمنصب آخر.

وتنوه مصادرنا بنقطة بالغة الأهمية مفادها أن المسألة لو كانت تتعلق بما حصل في "القدم" لأمكن للعميد "سليمان" أن يوجد بكل سهولة "أكباشا" تتحمل عنه القصية كلها، وفي مقدمتهم "العقيد غيث شعبان" بوصفه عراب اتفاق المصالحة في القدم، أو حتى "العقيد مدين حبيب" الذي استطاع من بين المجموعات المقتحمة أن "ينجو" مع عناصره من "كمين" التنظيم؛ ما وضع أمام اسمه علامة "خيانة" و"تواطؤ" كبير، كان من المفروض أن تجعله هدفا جاهزا للإقالة والإبعاد.

ومع ذلك كله، فقد عكست حادثة "القدم" النموذج المعمول به في نظام الأسد، وتم كف يد الرتبة الأعلى، وهذا ما يشير إلى صراع شرس للغاية على ساحة الجنوب الدمشقي، ربما لا تكون "مقتلة" القدم آخره، ولا عزل "سليمان" ختامه.

*دروس وألغام
وتشير مصادرنا إلى أن هناك حالات كثيرة ضبط فيها ضباط كبار بجرم التعفيش والنهب، فتم تحميل القضية وبكل بساطة لسائقهم أو مرافقهم "غير المنضبط"، لا بل إن بشار نفسه يعرف بقصص ضابط رفيع "برع" في فنون النهب وعلى الملأ، حتى عمد مرة إلى إنزال توابيت قتلى للنظام من طائرة شحن عسكرية ليحمّل بدلا عنها خيولاً عفشها من إحدى المناطق، وفي مرة أخرى قام باستخدام التوابيت الفارغة، ليملأها بما غلا من المنهوبات، قبل أن تنطلق الطائرة بمهمة لنقل "جثامين الشهداء".

وقد أحدث قرار إبعاد "سليمان" عن فرع المنطقة نوعا من السخط لدى فئة من العناصر الذين كانوا تحت إمرته، كما نوهت مصادرنا، رغم أن "سليمان" لم يقل نهائيا وحتى لم يحول إلى التحقيق كما أشيع لذر الرماد في عيون أهالي قتلى حادثة القدم.

وقد جاء السخط من "تنكر" النظام لـ"الخدمات الجليلة" التي أداها "سليمان" للنظام في جبهات ومواقع مختلفة، قبل وأثناء توليه قيادة فرع المنطقة، ومن أهمها ملاحقة واعتقال "الإرهابيين" المشاركين في "الحرب الكونية" حسب منطوق هؤلاء العناصر.

وتختم مصادر "زمان الوصل" بالقول إن أمام المكلف الجديد "العميد منذر محمد ونوس" طريقا وعرة للغاية، ودروسا يحب أن يثبت أنها تعلمها من سلفه المعزول، وحقلا واسعا ينبغي أن ينتزع ألغامه واحد واحدا، قبل أن يتم الرسو على هذا الضابط المتحدر من "دوير رسلان" (دريكيش طرطوس)؛ ليكون رئيس الفرع 227، وليس مجرد "مكلف" بتسيير أموره، كما هي الحال الآن.

زمان الوصل - خاص
(231)    هل أعجبتك المقالة (281)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي