ما آلت إليه حال سوريا ووصولها إلى مرحلة مفصلية بعد عملية التهجير الأخيرة والأخطر في الغوطة الشرقية سيكون لها ما بعدها، وهي نتاج أزمة يمكن تلخيصها بخمس كلمات، "مأساة السُنة..ثورة فمجزرة فتهجير"، وأرى أن هذه هي الحقيقة بلا رتوش ولا تجميل ولا تحريف، ولا أعتقد أن صاحب ضمير يراوده أدنى شك في صحتها.
وما حصل من "انحراف" لمسارات الثورة وصولا إلى المرحلة الحالية هو أمر طرأ عليها وليس عاملا ذاتيا، وهذا الطارئ جاء بفعل سلوك النظام أولا ودعم المجتمع الدولي ثانيا، وثالثا تجاهل الأنظمة العربية أو مساهمتها بدعم النظام اعتقادا منها ان الحدث السوري الدامي سيكون عبرة لبقية الشعوب.
وإذا أردنا أن نكون أكثر وضوحا فإن "السنة" هم الحامل الحقيقي للثورة ووقودها، بحكم غالبيتهم بالمجتمع وبسبب التزام الطوائف الأخرى - باستثناء أفراد لا يمكن نسيان وتجاهل دورهم- منذ المرحلة السلمية حالة الحياد شأنهم شأن المنتسبين لطائفة أهل المصالح.
السنة ليسوا مجرد طائفة، وعندما اندلعت الثورة لم يكن دافعهم "سنيتهم" ولم تكن غايتهم استهداف طائفة بعينها، بل إسقاط طائفة الاستبداد بكل مكوناتها، رغم أن النظام جعل من الطائفة العلوية حطبا لمحرقة السوريين.
ووفق هذا التصور، فإن تحميل ما بات عليه الواقع السوري بما فيه واقع الثورة لسلوك هذا الفصيل أو ذك القائد أو التنظيمات المتطرفة بعيدا عن غيرها من العوامل هو ذر للرماد في العيون وتجاهل للأسباب الحقيقية التي أوجدت هذه التنظيمات وتلك السلوكيات، بل يمكن القول إن وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" كان أكثر شفافية ومصداقية من أصحاب هذه الطروحات، إذ أعلن من دون مواربة أن "السنة لن يحكموا سوريا" وهذا الكلام مرده أن السنة في حال سقط الأسد سيتولون الحكم على اعتبار أنهم الاكثرية، علما أن فترة الخمسينيات التي توصف بأنها مرحلة ديمقراطية كان الحكام من السنة، لكنها لم تكن مرحلة سنية في حقيقتها، وربما لو كانت كذلك ما كان الحال على ما هو عليه الآن.
المأساة السورية التي أسفرت عن 14 مليون سوري بين قتيل ومعتقل ومهجر غالبيتهم الساحقة من السنة، ليست الوحيدة في المشرق العربي وإن كانت الأكثر دموية وإمعانا بالقهر. فسنة العراق أيضا كان لهم حصة الأسد من الدماء المسفوحة في العراق منذ العام 2003 على يد الأمريكان وميليشيات إيران وتنظيم "الدولة"، وكان لهم من وجع التهجير والتغيير الديمغرافي النصيب كله، ويكفي لمن أراد التيقن أن يلقي نظرة على طبيعة التركيبة السكانية في المدن التي كانت ذات أغلبية سنية ويقرنها مع واقعها الحالي.
الزلزال الذي شكل واقع المنطقة الحالي بما فيه من عبث في التركيبة السكانية، ولأنه يخالف حقائق التاريخ وصيرورته، ستكون له هزات ارتدادية ربما تضرب ما تبقى من المنطقة، ولا يختلف علم السياسة عن علم الجيولوجية في تأكيدهما على أن الهزات الارتدادية قد تكون أخطر من الزلزال نفسه، وهذا الأمر يحتم على أبناء المنطقة بكل انتماءاتهم الطائفية والقومية والسياسية التعامل مع هذا الأمر بجدية، إن كانوا يرغبون فعلا بإنهاء دوامة الموت المستمرة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية