كل الذين يحاولون الترويج لمقولة إن الثورة فكرة، في أعقاب خسارة الثورة السورية لأبرز معاقلها في الغوطة الشرقية، وقد تكون الأخيرة، إنما تنقصهم الشجاعة لإكمال المقولة: والفكرة "انقعها واشرب ميتها"، فما نفع أن يحمل الشعب أفكارا ثورية، إذا كان أغلبه يعيش خارج حدود بلده أو في إدلب..؟
الثورة ليست فكرة، وإنما شرارة سرعان ما تتحول إلى نار، ثم بركان، يتبعه زلزال يقلب الأرض رأسا على عقب.
والثورة السورية، مرت بجميع هذه المراحل، ولكن قبل أن تتحول إلى زلزال، قرر النظام أن يحشد كل قواه مع الاستعانة بقوى أجنبية، لكي يوقف البركان الهائج الذي كاد أن يقضي عليه... فأين هو موقع الفكرة..؟ وما الجدوى من الشرارة بعد ذلك..؟
الفكرة هي التي سبقت الثورة السورية، عندما أدرك الشعب السوري أنه بإمكان الأنظمة الديكتاتورية أن ترحل عبر الشارع، وذلك بعد أحداث تونس ومصر، أو عبر العمل المسلح، كما حدث في ليبيا..أما اليوم، فقد أصبحت الفكرة، أن النظام السوري لم يرحل عبر الشارع، ولم يرحل كذلك عبر العمل المسلح، ولن يرحل عبر العمل السياسي..فبربكم، كيف تريدون لفكرة الثورة أن تظل متقدة في نفوس الناس، إذا كانت هذه الفكرة قد تعرضت للشرخ والإحباط والانهيار ..؟!
دعونا نضع أيدينا على الجرح، فما نحتاجه ليس تعزية النفس، من خلال القول بأن الثورة فكرة، وإنما نحتاج حقيقة للمحافظة على الثورة السورية والإبقاء عليها، إلى حين تحقيق جميع مطالبها في تغيير هذا النظام المجرم.. وكلنا يعلم أن ذلك يكون، ليس من خلال أن نحمل أفكارا ثورية فقط، أو التظاهر في ساحات أوروبا، وكتابة البيانات والمنشورات والمقالات، فهناك الكثير من الشعوب المضطهدة تمارس هذا الأمر منذ سنوات طويلة، وتمتلك عناصر قوة وتنظيم أكثر مما يمتلكه الشعب السوري، ومع ذلك لم تستطع حتى الآن تزحزح أنظمتها قيد أنملة، وهي على الأغلب لن تستطيع مادامت الشرارة لم تنطلق من الداخل.
ما قام به النظام السوري، أنه أخرج أصحاب الأفكار خارج البلد، لأن وجودهم في الداخل، هو الذي قد يؤدي إلى انطلاق شرارة جديدة للثورة، وأما الخطوة الأخرى التي قام بها، أنه أخمد البركان برمته، وحسب رأيه أنه بذلك أبطل مفعول الشرارة، وأبطل معها مفعول وجدوى كل الحرائق التي قد تتصاعد لاحقا .. أي أنه هيأ البلد لنفسه لخمسين سنة قادمة، ضامنا بذلك عدم تشكل وعي آخر، ومقومات جديدة للثورة.
لكن من جهة ثانية، هناك من يرى بأن بشار الأسد واستمراره في السلطة هو شرارة الثورة التي لا يمكن أن تنطفئ أبدا.. وهو أمر يدركه المحتلون الجدد للأرض السورية ويعونه جيدا، لذلك لا نستغرب أن يعمد هؤلاء المحتلون بأنفسهم للتخلص من بشار الأسد في المرحلة القادمة، ولكن بعد أن يحصلوا منه على كل ما يثبت أقدامهم ويجعلها قوية في الأرض.
وهناك رأي آخر يرى، بأن بشار الأسد لم يقاوم الثورة سعيا وراء البقاء في السلطة، وإنما رغبة في الانتقام من الشعب السوري ومن سوريا كلها، عندما أحس أنها ترفضه ولا تريده .. وهو عندما استجلب المحتلين الجدد للأرض السورية، كان يدرك أن ذلك سوف يكون على حساب سيادته وسلطته، وحتى على حساب وجوده بالكامل، لكنه فعل ذلك من باب، فليرحل الجميع معي .. ولعل شعار الأسد أو نحرق البلد، هو التمثيل الواقعي لهذا الانتقام .. وإلا، ما نفع أن تحكم بلدا مدمرة ومهجرة من أهلها، ويتناهبها المحتلون، ويقتطعون أجزاء منها ..؟ بالتأكيد الأمر ليس له علاقة بحب السلطة وإنما بالانتقام.
لذلك، وباختصار، معركتنا الحقيقة لم تعد مع بشار الأسد لوحده، وإنما مع كل شياطين الأرض الذيم جلبهم..وسوريا اليوم على المحك أكثر من أي وقت مضى. فإما أن تكون أو لا تكون ..هذه هي قواعد اللعبة الجديدة، لمن يريد أن يبقى ثائرا. لكن نصيحة، ليس بالفكرة، وإنما العمل الجاد والكفاح الحقيقي.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية