أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ترويض الربيع العربي.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

ليس من باب التشاؤم بل من الواقعية بمكان القول إن المستقبل القريب سيخلو من الثورات في الشرق، وكان الربيع العربي قد بشّر بكثير منها، لكن ما حدث في سورية على مدى السنوات السبع الماضية جعل منها عبرة قاتمة في وجه الطامحين للحرية من شعوب المنطقة.

ترويض الربيع العربي مطلب غربي بالدرجة الأولى سعى لتحقيقه عبر ضخّه بالعصابات والإرهابيين ودعم الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة أو استبدالها بما شابهها، وتوكيل فصائل أكثر إرهابية بلبوس علماني بمحاربة تلك العصابات المصنّعة لغايات محددة.

ليس خافيا أن مصلحة الغرب تكمن في إبقاء شعوب المنطقة تحت نير الديكتاتوريات حفاظا على تدفق الثروات الباطنية دون عوائق أو اشتراطات تضعها حكومات منتخبة ديموقراطيا، لذلك لم تألُ جهدا في إفشال الثورات التي كان هدفها الأول الحرية والعدالة، وعلى الأغلب لم يخطر في أذهان قياداتها معاداة الغرب أقلّه مرحليا.

اتفقت مصالح الغرب مع رغبات القيادات المتعفنة في الشرق العربي بالاحتفاظ بالسلطة إلى ما لا نهاية، ونفّذت هذه السلطات توجيهات الغرب باندفاع كبير، ولعل أصرخ مثال على هذا الاتفاق المشؤوم ما جرى ويجري على الأرض السورية وفي حقّ السوريين.

رغم ادعاءات نصرة المظلومين ودعم الحريات في العالم وارتداء لبوس الإنسانية إلا أن الغرب وقف يتفرج على المذبحة السورية رغم عشرات الخطوط الحمراء التي وضعها في وجه القاتل، لكن هذا القاتل استخدم كل أنواع الأسلحة حتى المحرّم منها دوليا، ووصلت الأدلة والإثباتات على ذلك إلى غرف نوم الرؤساء وكل أروقة المؤسسات الدولية، التي أثبتت بصمتها موافقة على ما يفعله.

التابع العربي والإقليمي كان سعيدا "دون تصريح" بجرائم الأسد بحق الثورة السورية، إن إفشال هذه الثورة بكل ذلك الدم هو ما يريده تماما، لثقته بأن هذا هو السبيل الوحيد لقطع الطريق على ثورات تهدد العروش.

إن الأموال الخيرية والتبرعات غير المسيّسة التي دعمت ثوار سوريا أوصلتهم لتحرير ثلثي سورية من عصابة الأسد وأوشكوا على القضاء عليها في القرداحة ودمشق، عندها تماما تدخلت الدول الإقليمية بدفع ذاتي وغربي لتسييس المال والدعم، فأنشأت غرفتي "الموم" و"الموك" والمجالس العسكرية التي ضبطت واردات الفصائل وتحكم بقرار معاركها.

دعمت هذه الدول فصائل دون غيرها مقابل التبعية الكاملة، ومنعتها من خوض المعارك على أي جبهة قبل الاتفاق على نتائجها مع الراعي الدولي لمجريات الأحداث، وكثيرة هي المعارك التي تؤكد ذلك، ولم يتوقف الأمر على هذا بل دفعت الفصائل للاقتتال فيما بينها من أجل استهلاك السلاح والذخيرة والشباب الثوري الصادق.

إيران وروسيا الدولتان الوحيدتان اللتان تمتعا بصدق موقفهما إلى جانب المجرم، فقد أعلنتا ذلك ودعمتاه حتى النهاية، بينما الآخرون كذبوا حين ادعوا دعم الثورة ومدّوها بالمال والسلاح وقد استلبوا قرارها واشتروا ضمائر قاداتها السياسيين والعسكريين.

من تصدروا المشهد الساسي وأولئك الذين تولوا قيادة الفصائل العسكرية شركاء في الإجرام بحق السوريين لأنهم ارتضوا الارتهان للغرب والداعم الإقليمي مقابل سلطة وهمية ومال مغمّس بالدم السوري.

الثورة السورية تحزم حقائبها مع سقوط الغوطة ومن قبلها عشرات المناطق، إنه الهدف الذي يسعد العالم بكامله، إلا شرفاء السوريين الذين خسروا بلا عدّ ولا حدود، فلا يمكن الحديث عن أي مكسب للثوار وقد رسمت خرائط النفوذ فقد غابوا عنها تماما، بل ستحمل الأيام القادمة أخبارا سيئة من وسط سوريا، وقد تكون تلك الأخبار آخر ما يتم تداوله في الشق العسكري.

ولن يعود من المهم بقاء الأسد أم رحيله ما دامت كل سورية قد فجعت، وتسير في طريق التقسيم أو التقاسم الجغرافي بين دول المنطقة، وبذلك تكون هذه الدول قد ضربت عصفورين بحجر واحد، أوقفت ربيع الحرية وكسبت جغرافيا جديدة أو على الأقل نفوذا على حيّز منها.

وأخيرا، قد يفكر الغرب بإجراء تعديلات قيادية في المنطقة وقد يشعل الفتنة في بعضها من أجل ذلك وغيره، لكنه بالتأكيد لن يسمح للفكر الحر أن يسود أي دولة، وسيوقظ الشعوب من نومها إن حلمت بالديموقراطية، إن في الوضع الراهن لهذا الشرق الحزين أكثر مما ترغب به الدول صاحبة القرار في العالم لذلك سيبقى كذلك أو يتجه للأسوأ.

*من كتاب "زمان الوصل"
(116)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي