"عفرين" السورية بنظرنا.. السنيّة بنظر النظام .. فؤاد حميرة*

لا يمكن التوجه لتحليل أي حدث بمنطق احتكار الحقيقة، مهما كان هذا الحدث صغيرا، فكيف الحال مع الأحداث المعقدة والمتشابكة كالحدث العفريني، والذي لا يمكن تحليله أو التعامل معه وفقا لوجهة نظر واحدة، كما لا يمكن اعتبار أي تحليل لما جرى على أنه يمثل الحقيقة كلها فللحقيقة أجزاء ووجوه متعددة.
انطلاقا من هذه المقدمة سأضع وجهة نظري الخاصة ليس حول الحدث العفريني كاملا، فهو من التعقيد بحيث إنه يحتاج إلى دراسات معمقة ومفصلة، ولكني أحاول اقتحام زاوية جديدة وربما غريبة في تناول أسباب تقاعس النظام عن تقديم العون لعفرين رغم مطالب الأحزاب والفصائل الكردية بذلك.
نبدأ من زاوية ضيقة ونحاول توسيع نطاق الرؤية، وأقصد بالزاوية الضيقة، ارتهان النظام للأوامر الروسية، فأحد أسباب تقاعس النظام عن الدفاع عن أرض سورية ضد ما يراه احتلالا تركيا لأراضيه يعود في الحقيقة إلى الموقف الروسي الرافض لتقديم أي معونة للفصائل الكردية في دفاعها عن "عفرين" ضد قوات الجيش الحر المدعومة بالجيش التركي، فلروسيا حساباتها في "عفرين" ومع الأكراد، وهناك رغبة لدى القيادة الروسية في تصفية حساباتهم مع الأكراد ومعاقبتهم على تعاونهم مع الأميركيين خصومهم وأعدائهم التقليديين، ولا ننسى هنا الزيارة التي قام بها وفد من قيادات الفصائل الكردية إلى موسكو قبل بدء العملية العسكرية بيوم واحد، وحينها رفض الروس تقديم أي مساعدة، بل إن الوفد الكردي واجه ما يشبه الطرد خلال زيارته تلك مع لوم وتقريع شديدين، حتى أن الاعلام الروسي عبر آنذاك عن الموقف الروسي العاتب للغاية على تفرد الأكراد في تعاونهم مع الأمريكان دون استشارة الروس، فكان الموقف االروسي نوعا من الانتقام ودرسا خاصا يدفع الأكراد ثمنه من أرواحهم وأراضيهم.
طبعا لم يكن الموقف الروسي نابعا من هذه الأسباب فقط، فتحت البرود الروسي الكثير من الثلوج التي تسببت في جموده عن تقديم المساعدة منها عدم رغبته في الدخول في معارك مع تركيا واستغلال الخلاف التركي الأميركي لاستقطاب تركيا إلى الحظيرة الروسية بشكل أكبر ومتزايد وعدم قدرته على الدخول في معارك مع الأميركيين ومحاولاته المتكررة لتجنب مثل هكذا صدامات.
إذا تماهى موقف النظام مع الموقف الروسي، ولذلك لم يرغب النظام في مساعدة الفصائل الكردية لأنها كانت من أولى الفصائل التي أعلنت التمرد على النظام، فكان الدرس والعقاب مزدوجا، غير أن تحت هذه المواقف المعلنة والمعروفة تقريبا للجميع، يقبع سبب إضافي في التقاعس عن حماية أرض سورية تتعرض لغزو دولة أجنبية جارة، وهو سبب يخص النظام تحديدا، فالمستفيد من دخول القوات التركية إلى "عفرين" هو النظام، هذا الدخول يخدم خطط النظام في تحقيق التوازن الطائفي بين الأكثرية السنية وباقي الأقليات، وتحضر هنا مشاهد البراميل المتفجرة التي كانت طائرات النظام ترميها فوق المدن والقرى السنية، هذه البراميل لم يكن القصد منها القضاء على المسلحين بقدر ما كان القصد إثارة الذعر لدى المدنيين ودفعهم للهرب، والسكان هنا بالطبع من الغالبية السنية حتى أصبح عدد اللاجئين السوريين في الخارج نحو 10 مليون، موزعين في شتات الأرض، ثم تأتي عملية "عفرين" لتقدم خدمة جليلة للنظام بتهجير ما تبقى من السنة في المنطقة، وإذا كان أردوغان يرغب في الاحتفاظ بمناطق الشمال كـ"عفرين" و"منبج"، فإن النظام ضمنيا لن يأخذ موقفا معاديا إلا في الإعلام، ولكنه في حقيقة الأمر لن يمانع في ضم أراض ومناطق سكانية سنية لتركيا فهذا سيكون في صالح مخطط النظام بالتخلص من أكبر عدد ممكن من الأكثرية السنية وتحقيق تغيير ديموغرافي لصالح الأقليات يضمن مستقبلا عدم قيام أي حركات تمرد ضده.
حين كنت معتقلا في أمن الدولة قال لي العميد قائد فرع الأمن في التحقيق: "ماذا تريدون حلب والشمال؟ خذوها ..نسامحكم بها"
لا أدري لماذا خطرت في بالي هذه الجملة وأنا أكتب هذه المقالة، والآن أتأكد أكثر أن من مصلحة النظام التخلص من المناطق السنية الثائرة ضده على الأقل في الوقت الحالي، ولنتذكر معا فكرة (سوريا المفيدة) التي أطلقها النظام والتي تعني بالسنبة للمتلقي المناطق التي تمت استعادتها أو التي لم تشهد تمردات ضده، ولكنها في الحقيقة تعني المناطق ستتحول من الغالبية السنية إلى الأقليات ليصبحوا الأغلبية، وذلك علينا استحضار تصريحات كبار قيادات حزب البعث والذين أعلنوا استعدادهم لتقليص عدد سكان سوريا إلى 13 مليونا فقط، قالوها هكذا وبكل بساطة. وأرى، وربما كثر مثلي أن البعث حقق ما يريد وأعاد سكان سوريا إلى أقل من 13 مليون مع خروج أكثر من نصف السكان خارج الحدود وهم في غالبيتهم المطلقة من السنة؟
حين حذرنا سابقا من خطورة دخول المسلحين إلى المدن والأرياف وخطورة إعلان تحرير تلك المناطق تعرضنا للهجوم والاتهام بالخيانة، وحذرنا من أن ذلك قد يتسبب في عمليات تهجير واسعة، ولكنا للأسف لم نلق آذانا صاغية، وما زلت حتى هذه اللحظة أؤمن بحرب عصابات شعبية.
أما الموقف الأميركي المفاجئ والمتخلي عن الفصائل الكردية، فإنه حسب رأيي يعود إلى رغبة الأمريكان في القضاء على آخر الجيوب الشيوعية في الشرق الأوسط وربما في العالم، فجميعنا يعلم أن الأحزاب والفصائل الكردية تتبنى في غالبيتها النظرية الماركسية وأن غالبيتها ذات ميول يسارية، وهنا تتم الاستفادة من دمج مصلحة الأتراك في القضاء على الحركات الكردية الانفصالية، مع مصلحة الأميركيين في التخلص من بقيا الشيوعيين، ومن هنا ربما جاءت المباركة الأميركية التي فاجأت الجميع وأولهم الفصائل الكردية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية