أن يخرج بشار الأسد بسيارته ويتجول في شوارع دمشق وصولا إلى الغوطة الشرقية، في الوقت الذي كان فيه العلم التركي يرفع على بقعة من الأرض السورية، وبالتزامن من ذكرى انطلاق الثورة السورية في 18 آذار، إنما يدل على رجل عقله حفيف، ولازال يتعامل مع ما يجري في بلده، بأسلوب "المناكفة" و"المجاكرة"، وهو ما يعني كذلك أنه لم يكن في فترة من الفترات يستحق أن يكون "ديكا" على دجاجات، وليس رئيسا لدولة..!
لقد أوحى لنا بشار الأسد، أنه لم يعد يعنيه من كل سوريا، سوى أولئك الذين يقاتلون ويموتون دفاعا عنه، والذين لولاهم لما استطاع أن يمارس سيادته على شوارع بلده بالسيارة.. وإلا ما معنى أن يزورهم عدة مرات، ويلتقط الصور معهم، بينما لم يجرؤ حتى الآن أن يظهر بين المدنيين وفي أشد المناطق ولاء له..؟!
لكن تبقى المشكلة ليست بالصورة التي يريد بشار الأسد أن يصدرها للعالم ولمعارضيه، وإنما ما يريد إخفاءه وراء هذه الصورة، والتي تقول إن مشروع التقسيم بات يجري بتواطؤ مع النظام ذاته، والذي على ما يبدو أنه راضٍ عن فكرة أن تأخذ كل دولة ما يناسبها من سوريا، أرضا وشعبا، مادامت هذه الأرض لا تناسبه وهذا الشعب "لا يطيقه"، المهم أن يحتفظ سيادته بمنصب الرئاسة الذي أورثه والده له ولو على حساب خراب البلد كلها.
كثيرا ما يخطر على بالي تساؤل، بأننا لو أردنا تقييم الفترة التي ورث بها بشار الأسد الرئاسة من العام 2000 وحتى اليوم، وما تخللها من أحداث، بدأت بالحرب الأمريكية على العراق في العام 2003، إلى اغتيال رفيق الحريري في العام 2005، وما سبقها من مواقف لبشار أصر فيها على التمديد للرئيس اللبناني "إيميل لحود"، ثم بعد ذلك اضطر للانسحاب من لبنان في ذات العام، ثم إلى العام 2006 وخطابه الشهير الذي اتهم به الرؤساء العرب بأنهم أنصاف رجال، على خلفية الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وأخيرا، وصولا إلى بدايات الثورة السورية، وما آلت إليه الأمور بعد ذلك.. لنتساءل بحق: أي من هذه المعارك استطاع بشار الأسد أن ينتصر بها وأن يتخذ موقفا استراتيجيا، يجنب بلده وشعبه الأزمات..؟ ألم يخسرها جميعا وهو ما يدلل على أنه لم يكن أهلا للمنصب الذي يعتليه ..؟!
ولعل الصورة التي ظهر بها بشار الأسد بالأمس وهو يقود سيارته في شوارع دمشق، تعطينا فكرة وافية عن طبيعة هذا الشخص، وانفصاله عن الواقع، وأكثر من ذلك إصراره على أنه يواجه مؤامرة كونية، وأنه قاب قوسين أو أدنى، من الانتصار عليها.
أي انتصار يا رجل، ونصف الشعب السوري مهجر، ونصف مدن البلد مدمرة، بينما أرضها مستباحة لكل جيوش الأرض، وها هي بدأت تقتطع أجزاء منها..؟! ألا تتساءل، عندما تجلس بينك وبين نفسك، كيف أنك ورثت بلدا إلى جانبه لبنان، بينما ها هي سلطاتك تتحجم إلى حدود قصرك والسيارة التي تقودها وتحرسها جيوشا من المخابرات..؟ّ!
الكثير من السوريين اليوم، تواقون لمعرفة كيف يفكر هذا الشخص وما الذي يخطط له، ولو مقابل ثمن، لأنه لا يكفي أن نصفه بالانفصال عن الواقع لكي نبرر كل هذه الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه وبلده، فلا بد أنه يعاني من خلل عقلي كبير في رأسه، ولا يجوز أن يبقى فالتا هكذا، وإنما مكانه الطبيعي يجب أن يكون مستشفى الأمراض العقلية.
والكثير ممن احتكوا معه عن قرب واستمعوا لحديثه وشروحاته الثقافية المطولة، توصلوا في البداية إلى أحاسيس مختلطة، بأنه ولد وليس لديه الخبرة الكافية، لكن فيما بعد تبين أن هذه الولدنة ليست إلا نتاج شخصية كاملة، ترفض أن تتطور وتكبر، وهو ما يعني بصورة أو بأخرى، أنه يعاني من الجنون، لكن بدرجة قد لا تظهر للعيان من الوهلة الأولى.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية