أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إفتح عينيك.. فؤاد حميرة*

من مظاهرات الغوطة - أرشيف

مع تقدم قوات النظام وميليشياته في قرى الغوطة تتعالى أصوات بعض المعارضين وخاصة المثقفين منهم معلنة موت الثورة وانتهاءها، والغريب أن بعض تلك الأصوات تحمل نوعا من الشماتة المبطنة بالمصير الذي وصلت إليه الثورة من منطلق أن أولئك المثقفين حذروا سابقا من هذا المآل بسبب أسلمة الثورة وتطرفها الطائفي.

ومع افتراض حسن النية وراء تلك الصرخات الداعية إلى إعلان موت الثورة وعدم المكابرة، لأن ذلك لن يتسبب إلا في المزيد من الموت والدمار، إلا أن لي شخصيا بعض الاستفسارات والتساؤلات التي أتمنى الحصول على أجوبة لها من أصحاب تلك المواقف المستسلمة كليا للوقائع على الأرض.

اولا: ألم يكن للثورة دور في كسر قناعات الأنظمة الاستبدادية بأنها باقية للأبد، ألم تنبه هذه الثورات كل الأنظمة في المنطقة إلى قوة الشعب؟ ألم تثر الرعب في كيانات العائلات الحاكمة من المحيط إلى الخليج؟ ألم تعلن الثورة كسر جدار الخوف من القمع والأجهزة الأمنية؟ 

ثانيا: الحجة المساقة لتبرير تراجع الثورة هو أسلمتها، والسؤال الذي أود طرحه هنا: ماذا لو كانت الثورة ذات صبغة ماركسية، هل كانت ستنجح؟ هل كان العالم الغربي سيقدم لها الدعم اللازم لنجاحها؟

ثالثا: هل كانت الثورة إسلامية فعلا، أم أن الأسلمة لم تكن إلا الصورة المظهرة عبر وسائل الإعلام التي تعمدت إضفاء الطابع الإسلامي عبر المحللين الذين تستقبلهم المحطات الفضائية وعبر التركيز على الوجوه والأصوات المتطرفة مع إهمال متعمد وواضح لكل النشطاء الليبراليين.
رابعا: وهو الأهم، سنسلم جدلا أن الثورة ارتدت لبوسا إسلامية، ولكن ماذا عن النظام وحلفائه؟

تقول الوقائع على الأرض إن حلفاء النظام وحتى قبل انطلاق الثورة في العام 2011 كانوا من الأنظمة والقوى الإسلامية أساسا كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، حزب الله، حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، كما أن النظام عمل على تدريب وتصدير الإسلاميين إلى العراق، وكان ذلك يتم علنا، حتى أن السفير الأميركي الأسبق في دمشق (روبرت فورد) يؤكد أنه كان يرى من نافذة السفارة، الحافلات التي تحمل الإسلاميين المتطرفين وتنقلهم إلى العراق بعد أن يتم تدريبهم على أيدي أجهزة الأمن السورية. والأمر لا يتوقف هنا فقط، فالنظام هو من أطلق يد رجال الدين في البلد لتكون كلمتهم هي العليا بهدف محاربة كل فكر ليبرالي وكل فكر تحرري، وهنا تحضر إلى الذاكرة الكثير من الأمثلة منها ظاهرة "القبيسيات" التي لاقت كل الدعم من السلطات والأجهزة الأمنية، ومنها زيادة حصة البرامج الدينية في الإعلام الحكومي حتى أصبح التلفزيون الرسمية أشبه بتكية سليمانية يعلوها شيخ وينزل عنها شيخ آخر.

وبعد انطلاق الثورة استنجد النظام بحلفائه وصنائعه الإسلاميين، وتؤكد تقارير ودراسات أن كل الميلشيات المساندة لقوات النظام هي ميليشيا إسلامية:
1-حزب الله: ويبلغ عدد قواته العاملة على الأراضي السوية بنحو 4000 مقاتل وفقا لتقارير رسمية غير أن الحقائق على الأرض تؤكد أن أعداد مقاتليه تفوق هذا الرقم بأضعاف. 
2-كتائب القدس: وهي ميليشيا إيرانية يقود عملياتها الجنرال قاسم سليماني شخصيا، ومسؤوليتها حماية الأسد وموكبه وتحركاته ويبلغ عدد أفرادها 1200 عنصر
3-قوات "أبو الفضل العباس": ويبلغ عدد عناصرها نحو 4800 فرد يقودهم أبو هاجر العراقي. 

إضافة إلى كتيبة "قمر بني هاشم" و"لواء المعصوم" و"كتيبة صعدة" و"كتائب حيدر الكرار"، وعشرات الفصائل الأخرى التي تحمل أسماء إسلامية تشي بطابعها الطائفي وفيها ميليشيات أفغانية وباكستانية (زينبيون وفاطميون) وعراقية وإيرانية.

وسجل تقرير صادر عن الأمم المتحدة عدم وجود إحصائيات نهائية لعدد المجازر التي نفذتها الميليشيات المذهبية المستوردة من الخارج لكن الموثق (منها بلغ 74 مجزرة حتى اللحظة، في طول البلاد وعرضها، ووصل عدد ضحاياها إلى 4835 شهيداً، منهم نسبة 39% أطفال وشيوخ، 48% من النساء، 13% من الشباب، تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، بينما وصل عدد المخطوفين والمفقودين في أقبية الميليشيات الموثقين إلى 2456.

وتنوعت أساليب تنفيذ المجازر، ولم توفر فظائع من عيار الذبح والحرق، كما حدث في مجزرة "النبك" الأولى، وبلغ عدد ضحاياها 50 شهيداً، أو مجازر طالت عائلات بعينها، كما في مجزرة "النبك" الثانية وراح ضحيتها 41 شهيداً من عوائل مستو، وعلوش، والأقرع، ومجزرة "النبك" الثالثة، وضحاياها 50 شهيداً من آل الأديب وخباز، ومجزرة "النبك" الرابعة التي طالت عائلات الصلوع والعسالي، واسماعيل، ومجزرة "النبك" الخامسة، وضحاياها من عائلات متعددة منها آل عبادة.

في حين سجل ما عُرف بمجزرة القلمون 112 شهيداً، ومجزرة شارع "الأمين" بدمشق، وذهب ضحيتها 14 شهيداً من عائلة "بنوت" في شارع "الأمين" بدمشق، ولا يجوز تجاهل ما ارتُكب في "داريا" من مجازر، يستحيل توثيقها في ظروف الحصار الذي يكاد أن يمحو بلدة بكاملها عن الخريطة، وللزبداني ومعلولا حكايات أخرى، وغيرها، حكايات رعب لا تُعد ولا تُحصى.

نحن هنا لا نبرر إسلامية الثورة بإسلامية النظام، وإنما نشير إلى دور النظام في الأساس في زرع وتعزيز الانتماء الديني والطائفي على حساب الانتماء الوطني، ولندلل على أن أسباب التراجع في الثورة لا تكمن فقط في كونها إسلامية الطابع وإنما أيضا في تقاعس الدول الإقليمية عن تقديم العون لخوفهم من تبعات الثورة وانتشار أفكارها، ولذلك كان للغرب حساباته ومنذ البداية، إذ إن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ليست راغبة في إسقاط النظام، وجميعنا يتذكر التصريحات الأولى لكبار المسؤولين الأمريكيين في الأيام الأولى لانطلاق الثورة والتي تؤكد جميعها على مقولة واحدة (لا نريد تغيير النظام وإنما نريد تغيير سلوكه)، ولم يكن آخرها تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية حين قال "وجود الأسد ضروري لأنه يجيد قتل الإرهابيين".

الأخطاء السياسية المريعة التي ارتكبتها بعض الدول الاقليمية الممولة تعتبر جزءا هاما في أسباب وصول الثورة إلى هذا المأزق الحرج، وربما كانت للسذاجة السياسية دورها أيضا.

أختم بهمسة في أذن أصدقائنا المعارضين وخاصة المثقفين منهم، وهي دعوة لقراءة مجمل الصورة وتحليلها في العمق وعدم الاكتفاء بالحكم على الجزء الظاهر من جبل الجليد، فالجزء الأكبر مغمور تحت الماء ويحتاج لنظر ثاقب وتأمل جاد ودقيق لقراءة ما خفي من الصورة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(173)    هل أعجبتك المقالة (175)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي