أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"وليمة حوا"... جاسم ودرويش يكشفان سر قوة النظام والمذابح التي تُعد للأكثرية بيد محسوبين عليها

من اليمين محمد الجاسم ابن اللواء جمعة الجاسم مع "دريد عوض" المقلب بنار النمر وأحد كبار المسؤولين حاليا عن مجازر الغوطة

تتساءل فئة من السوريين -بذهول أحيانا- عن "سر" قدرة نظام بشار على حشد وتجنيد كل هذا العدد من المرتزقة الذين يرتكبون جرائمهم في غوطة دمشق، ويتجهزون للانقضاض على درعا، وينتشرون في المنطقة الشرقية على اتساعها، ويمسكون بجبهات حماة وإدلب.. و... في وقت ينبغي أن يكون هذا النظام في أضعف حالاته بعد المقتلة العظيمة التي ألحقها بحاضنته، وأزهقت أرواح عشرات الآلاف منهم وأقعدت أمثالهم وأكثر من المصابين.

للوهلة الأولى يبدو الجواب عن هذا السؤال صعبا، بينما هو في غاية البساطة، إذا ما أردنا أن نرى بعينيين مفتوحتين، دون أن نلبس نظارات عاتمة أو نتلبس بأي حكم أو موقف مسبق، يجعل الكلمة العليا للطائفية والمناطقية، التي يفترض أن السوريين خرجوا ثائرين رجاء الخلاص من نظام يقيس بمسطرتهما، فيقرب ويبعد، ويخون وينزه، بل يقاتل ويقتل بسيفهما.

*خزانات احتياطية
لابد قبل فتح هذا الملف المخبوء داخل عش دبابير.. لابد من التنويه بأن مساحة المناطق التي عادت إلى سيطرة النظام ليست صغيرة، وأن الذين بقوا في هذه المناطق على اختلاف أعذارهم وظروفهم -وهم ليسوا قلة- إنما قدموا أنفسهم وأبناءهم قرابين جاهزة على مذبح النظام، ومنحوه -بقصد أو بغير قصد- هذه الطاقة التي نراها اليوم؛ ليتحرك بها على جبهات متعددة، فيما كان عاجزا قبل عن مثل هذا.
لسنا هنا في وارد مناقشة الظروف ولا المبررات التي دعت فئة غير قليلة إلى تفضيل البقاء في منطقة يسيطر عليها النظام، على الرحيل نحو منطقة "محررة" أو حتى مغادرة سوريا كليا.. فمثل هذا النقاش لن ينتهي عند حد، ولن يصل لنتيجة راسخة يمكن الركون إليها، خلافا للوقائع التي لايمكن التشكيك بها، والتي تقول إن مناطق "المصالحات" أو تلك "العائدة إلى حضن الوطن" قد تحولت إلى خزانات بشرية احتياطية وجديدة، ترفد النظام الذي كادت خزاناته الأساسية أن تنفد.

وسنكتفي حاليا بعرض نموذج صغير يوثق ما أشرنا إليه باختصار شديد أعلاه، على أن يبقى هذا الملف أحد ملفات "زمان الوصل" المفتوحة؛ أملا في تقديم مشهد واقعي ومتجرد لما يحدث في سوريا حاليا.

*طريق الموت السريع
يظهر مقطع مصور وصلتنا نسخة منه، وليمة "عامرة" تحت خيمة كبيرة اجتمع عليها عدد من ضباط النظام الكبار، محاطين بأشخاص يلبسون زيا يفصح أنهم من أبناء العشائر، وسط عبارات الترحيب.

ورغم كثرة الأشخاص الظاهرين، لاسيما ممن يرتدون بزات عسكرية عليها نجوم ونسور، فإن من يعنينا من هذا الشريط وما يصب في خانة تقريرنا 3 أشخاص حاليا، وهم: مدير إدارة المدفعية والصواريخ "اللواء جمعة الجاسم"، قائد الفيلق الخامس "اللواء زيد صالح"، و"شيخ" مرتزقة حماة "أحمد محمد درويش المبارك"، المعروف اختصارا بـ"أحمد الدرويش".

كما يهمنا المكان الذي عقدت فيه هذه الوليمة، وهو إحدى القرى الصغيرة المتناثرة في ناحية سنجار بريف إدلب الجنوبي الشرقي (مزرعة حوا)، والتي عادت (أي الناحية وقراها) إلى سيطرة النظام منذ فترة قصيرة.

تقول المعطيات التي بين أيدينا إن هؤلاء الضباط لم يجتمعوا في هذا المكان لمجرد تناول "المنسف" المغطى بلحم الضأن والمغمس بالسمن، بل جاؤوا لأجل "وليمة" أكبر قوامها لحوم ما تبقى من أبرياء الشعب السوري مغمسة بدمائهم، وهذه "الوليمة" الجديدة لن يقيمها المرتزقة الطائفيون من الداخل أو الخارج، بل سيتولى أمرها أناس محسوبون على الأكثرية المذبوحة والمشردة، تماما كحال الوليمة الظاهرة في المقطع، والتي أقيمت بدعوى من "الجاسم" و"الدرويش"، المحسوبين على قيود الأكثرية، بل والمدونين في سجل وجهاء العشائر وأعيانها.

فمع إدراك بشار وحلفائه أن تجنيد المرتزقة الطائفيين من الداخل والخارج قد بلغ سقفه تقريبا، تم اعتماد المناطق العائدة إلى "حضن الوطن" كحل إسعافي، يضمن رفده بحشود متوالية من "المحاربين" الذين لايهمه كثيرا انتماؤهم ولا نوعية تدريبهم، بقدر ما يهمه الاستفادة من أعدادهم.

وعلى هذا الأساس وجه النظام نظره وتركيزه إلى مناطق الريف الجنوبي الشرقي لإدلب، حيث ما تزال لديه أوراق عديدة للعبها، أهمها ضباط و"وجهاء" كبار يعرفون كيف يسوقون الجموع، من أمثال "اللواء الجاسم" و"الشيخ الدرويش".

ولم ينتظر النظام طويلا عقب سيطرته على ناحية سنجار وقراها المتناثرة، ليعلن عن فتح "معبر" يضمن انتقال من يرغب من أهل هذه المنطقة، باتجاه ديارهم وأراضيهم، مع علمه بوجود حالة تململ في صفوف فئة منهم نتيجة تدهور الأوضاع المعاشية والأمنية في المناطق المحررة، وشكواهم الدائمة من عدم تحملهم دفع المزيد من الأموال لقاء إيجارات بيوت وخيام يقطنونها.

ولأن كل شيء كان مخططا لدى النظام فيما يخص هذا الأمر، فقد كان لابد من أن يقوم على شؤون عودة هؤلاء "الأهالي"، وبينهم عدد قليل من الرجال والشبان.. أن يقوم على شؤون عودتهم أناس من منطقتهم يتكلمون بلسانهم ويعرفون تركيبتهم وطريقة مخاطبتهم، ليتلقفوهم وينلقوهم إلى معسكر للتدريب العاجل يتلوه زجهم في الجبهات.

ومن هنا كان حضور ابن المنطقة "اللواء جمعة محمد الجاسم" و"الشيخ أحمد محمد درويش المبارك"، الذين وقع عليهما "العبء" الأكبر من عملية حشد وسوق أكبر عدد من العائدين "الذكور" قبل تسليمهم إلى قائد الفيلق الخامس "اللواء زيد صالح" ليعبر بهم طريق الموت السريع، حيث ليس أمام الواحد منهم سوى أيام قليلة للتدرب على حمل البندقية، ثم الاتجاه مباشرة نحو إحدى الجبهات المشتعلة.

وتقول معلومات "زمان الوصل" إن النظام فعلا نجح سريعا في تجنيد عشرات المرتزقة الذي نقلهم لاحقا إلى مطار "أبو ضهور" العسكري، ومنه إلى "الغوطة"؛ ليكونوا عناصر في "الفيلق الخامس"، الذي يستحق لقب "فيلق المحرقة" لكثرة ما أحرق فيه الأسد من أرواح مجنديه ممن قذف بهم إلى نار الجبهات، دون أن يزودهم حتى بالحد الأدنى من المهارات الحربية.

وقبل نحو شهرين تولى "زيد صالح" قيادة الفيلق الخامس المشكل بإشراف روسي، وهو من الضباط الطائفيين المشهود لهم بالإجرام، وقد سبق أن شغلى منصب رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب، كما سمي عقبه نائبا لقائد "الحرس الجمهوري".

أما "أحمد الدرويش" فإن أنباء تزعمه للمليشيات المدافعة عن نظام بشار تغني عن اي حاجة لشرح أو تفصيل، حيث كان وما زال له الدور الأبرز في تجنيد حشود المرتزقة، ممن ساهموا في منع خروج كثير من قرى حماة، وكذلك المدينة، من قبضة النظام.

ويبقى "اللواء الجاسم" المكنى "أبو محمد"، وهو "رجل الظل" الذي يدخره النظام لمثل هذه المهمات، فضلا عن مهماته في إدارة سلاحي المدفعية والصواريخ، وقد سبق لـ"زمان الوصل" أن أفردت تقريرا مفصلا عنه للاستزادة (اضغط هنا)  

ويهمنا قبل إنهاء هذا التقرير أن ننوه أن للواء "الجاسم" ولدين مجندين في صفوف النظام، أكبرهما يدعى "محمد"، وهو يعمل في صفوف مرتزقة المخابرات الجوية، التي تنسب إدارتها العامة إلى "سهيل حسن"، وتشكل قوة البطش الأكثر إجراما بحق السوريين حاليا (الغوطة مثال حاضر)، والتي سنحاول الإضاءة عليها في تقرير في تقرير لاحق يكشف هوية القائمين الحقيقيين عليها.

ويكفي لإدراك إجرام "محمد جمعة الجاسم" أن ننظر إلى صورة واحدة اخترناها من بين صوره، تجمعه بالرائد "دريد عوض" ابن بلدة "الربيعة" الملقبة بـ"قرداحة حماة"، وهو الذراع الباطشة لـ"سهيل حسن" والمسؤول عن تمرير أوامر إطلاق الصواريخ والمدفعية والقذائف نحو المناطق المستهدفة، ولذلك يلقب بـ"نار النمر"، وبناء على هذه المعطيات فإن "عوض" الذي يشارك في معارك الغوطة، يعد اليوم أحد أهم المسؤولين عما تشهده من مجازر راح ضحيتها المئات حتى الآن.

إيثار عبدالحق-زمان الوصل
(248)    هل أعجبتك المقالة (326)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي