ممثلة لـ"لوبي الأسد" في فرنسا أطلت "الدكتورة يارا معصراني" على شاشة "فرانس24" لتقدم رؤيتها حول ما يجري في الغوطة الشرقية، فسمع المتابعون منها تسويغات لقتل المدنيين، جعلتهم يتساءلون عن من تكون هذه المرأة التي تستطيع أن تتجرد من أدنى لوازم "الأنوثة" الموسومة غالبا بالعطف؛ لتدافع بهذه الشراسة عن مجرم حرب استثنائي من قلب باريس، مدججة بقدر غير هين من الإنكار والكذب، أمام مذبحة ما زالت دماء ضحاياها تجري عل الأرض.
وقد يكون غربيا وربما مدهشا، أن يكون تفسير موقف "معصراني" المغرق في التشبيح.. أن يكون ملخصه المثل الشعبي القائل "طب الجرة ع تمها بتطلع البنت لأمها".. وهذا ليس من باب السخرية، ولا من باب تسطيح الدور الذي تقوم بها "معصراني" في تلميع الأسد على الساحة الفرنسية، بل هو من باب الوقائع والمعلومات التي ستعرضها "زمان الوصل" في ثنايا تقريرها.
*ليسوا سوريين
قبل الخوض في سيرة وتاريخ "يارا معصراني"، لابد من التعريج على بعض العبارات التي صدرت عنها في معرض ظهورها الأخير على "فرانس 24" في مواجهة كل من "لمى الأتاسي" و"عماد الحصري".
فمما قالته "معصراني" خلال البرنامج الممتد نحو 45 دقيقة، إن "جبهة النصرة عم يقصفوا سوريا عم يقصفوا دمشق إلن كل يوم هاونات، وكل يوم جرحى وقتلى.. الجرحى الي بالغوطة الي كلها ماسكينها جيش الإسلام والنصرة وفيلق ما بعرف شو هدول بيهمكم وضعهم أما المدنيين والأطفال فلا، كل يوم عم ينقتلوا.. بيطلعوا من بيتهم بتجيهم قذيفة، بيقعدوا ببيتهم بتجيهم قذيفة".
وسألت "معصراني" باستنكار: "مين ساكنها الغوطة اليوم"، فأجابتها "الأتاسي": مدنيين، وأطفال، وهنا قالت محامية الأسد إن هؤلاء المدنيين "الي محتجزينهم هدول جماعة الإرهابيين.. بجندوا أطفال ونساء مدري شو (تشير بيدها استخفافا) هدول كلهن لابسين أسود".
وتابعت: "لا إن حاورنهم بيعجبهم ولا إن قصفناهم بيعجبهم.. شو بدكم؟؟"، ثم وصلت إلى قول: "تلت أرباع الي بالغوطة مو سوريين.. شيشان وما بعرف شو"، ما دعا لمى الأتاسي لمخاطبتها: "حتى بشار الجعفري ممثل النظام ما حكى متلك".
"معصراني" التي تقيم وتعمل في فرنسا، لم تنس أن تقول من قلب باريس إن حكومة بشار "شرعية مية بالمية.. شرعية عشر مرات أكثر من الحكومة الفرنسية".
فمن هي هذه "المرأة"، وفي أي أسرة نشأت، ومن هي أمها التي أورثتها تقديس الطغيان كما أورثتها سحنة الوجه والقوام؟؟
*موسكو الملتقى
تقول معلوماتنا الأكيدة إن "رانيا معصراني" التي تقارب بشار الأسد عمريا، ولدت لأبوين هما: ناديا بهاء الدين خوست (شركسية الأصل)، والدكتور "بسام المعصراني" إحدى القامات العلمية في مجال الفيزياء تأليفا وتدريسا (توفي قبل بضع سنوات).
التقى "معصراني" بـ"خوست" في موسكو، حيث كانا يدرسان، ثم عادت "خوست" لتلحق بزوجها إلى فرنسا حيث كان يتابع التحضير لنيل درجة الدكتوراة في الفيزياء.
وبعكس زوجها الذي كان صيته محصورا في أروقة الجامعات، بين المخابر وقاعات التدريس، فإن "خوست" بنت لنفسها هالة ساعدها نظام حافظ الأسد في ترسيخها، حتى غدت من بين أعمدة سطوته "الناعمة" في المجال الثقافي (حتى نصبها أديبة للشام ومدافعة عن تراثها)، إلى جانب نجاح العطار وكوليت خوري.
"خوست" التي تناهز اليوم 83 عاما، والتي نالت شهادة الدكتوراة من الاتحاد السوفيتي، بقيت حتى بعد تفكك هذا الاتحاد وحتى بعد موت حافظ، "وفية" لهما، تستخدم نفس الأدوات واللغة في مقارباتها للأمور، وكأنها لم تغادر سنوات السبعينات ولا الثمانينات قط.
"خوست" التي حباها النظام عام 2016 ميدالية ومليون ليرة (جائزة الدولة التقديرية في مجال الآداب)، فضلت منذ بداية اندلاع الثورة أن تناصبها العداء وأن تعلن موقفها الحاسم بالوقوف مع النظام قلبا وقالبا، فكتبت وصرحت هنا وهناك، بل إنها كرست جهدها لتأليف كتاب كامل يدعم رؤية نظام الأسد في حربه على الشعب السوري، سمته "أوراق من سنوات الحرب على سورية".
وفي مقدمة كتابها هذا التي تلخص ما تريد إيصاله، تقول "خوست": "لم يخطر ببالي يوما أن أكتب هذه الأوراق... فقد بدا لي أن الحرب ستكون فقط لتحرير الأرض أو لردّ عدوان إسرائيلي، وليس في قلب المدن السورية. كانت الحرب قاسية وثقيلة، حربا دولية على الوجدان والروح، على الفرد والنسيج الاجتماعي والذاكرة الوطنية. أُطلق اللصوص على القمح والمعامل وآثار الحضارات السورية، على طرقاتنا وبيوتنا وبساتيننا ومدارسنا وجامعاتنا وأماكن عملنا. احتال فيها سياسيو الغرب المتأنقون وخبراؤهم ومنظماتهم الدولية والإنسانية ومئات المحطات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية وعشرات الآلاف من المرتزقة، وبلدان عربية وجامعتها العربية: راقبَ الشعب السوري هذه الحرب المقنّعة بمطالبه ثم اكتشف أنها حرب على الوطن".
*العنب الحامض
أتاحت معرفة "خوست" باللغة الفرنسية أن تتحدث للصحافة الأجنبية، وتلمع صورة نظامها بالطريقة التي تستهوي الجمهور المستهدف، فأشادت في حديث لصحافية فرنسية (اطلعت عليه زمان الوصل) بسوريا "قبل الحرب"، حيث كانت النساء "متحررات جدا يأتين ويذهبن حتى بعد منتصف الليل".
وفي نفس ذلك اللقاء نوهت "خوست" بإزالة المادة 8 التي تنصب حزب البعث "قائدا للدولة والمجتمع"، لكنها تستدرك: بالنسبة لنا ليس من السهل إزالتها من حياتنا اليومية، فسألتها الصحافية: لماذا؟، فردت تلك التي "المرأة" تحمل لواء "تحرر المرأة": "لأن حزب البعث هو حزب الوحدة الوطنية، وهو أقوى المؤسسات السياسية في الحياة السورية. بالطبع هناك العديد من الأحزاب الجديدة ولكن ليس لدى تلك الأحزاب أي خبرة، وليس لديهم انتشار، النساء في المقام الأول هن من يقدن الأحزاب الجديدة، لكنهن يفتقرن إلى الخبرة"، في إشارة واضحة من "خوست" إلى أن "تحرر" المرأة وقيادتها يقف عند حد الخروج بعد منتصف الليل وسياقة السيارة بمفردها، أما المشاركة السياسية الحقيقية فـ"عنبها حامض جدا"، لأن المرأة فيها مخلوق قاصر "يفتقر إلى الخبرة"، وهذه فقط إحدى تجليات التناقض الفاقع في شخصية "خوست"، المحسوبة ضمن فئة قليلة من "الحرس النسائي القديم"، نجح في الحفاظ على مواقعه في عهد تديره نساء من مقاس "هديل العلي" ولونا الشبل" و"شهرزاد الجعفري" وسواهن.
ولعل هذا التناقض الصارخ هو من بين أبرز المزايا التي نقلتها "خوست" لابنتها "يارا"، حيث تجلس الأخيرة في الحضن الفرنسي وتنتف في ذقن ديمقراطيته، بينما تفر من حضن نظام تراه أن شرعيته تفوق عشرة مرات شرعية الحكومة الفرنسية.
وإلى جانب هذا الميراث، فإن "يارا" هي ابنة أمها الحقيقية في التصاقها ببقايا تيار الشيوعيين في العالم، وهي أيضا ابنة أبيها أيضا، الذي يشير بعض طلابه، حسب معلوماتنا، إلى أن إيمانه المطلق بالعلم ربما زعزع إيمانه بوجود الخالق.
*محاربة السوريين إنسانيا
وفي إطار سعيها المحموم لتلميعه، وقعت "يارا معصراني" أكثر من عريضة لترديد رواية بشار الأسد، في محاولة لاستمالة الرأي العام والحكومة الفرنسية إلى جانبه.
ومن بين ذلك، عريضة تم توجيهها إلى الرئيس "إيمانويل ماكرون" صيف العام الماضي تحت عنوان "من أجل سياسة فرنسية في سوريا، مستقلة وتحترم القانون"، دعته للكف عن المشاركة في أي مساع يمكن أن تبذل لـ"تغيير النظام" في سوريا، كما طالبته بـ"رفع العقوبات عن الشعب السوري وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية".
ومن الملفت أن القاسم المشترك لتلك العرائض التي وقعتها "معصراني" هو إطلاقها وتبنيها من قبل "لجنة فالمي" ورئيسها "كلود بوليو"، وهو عجوز شيوعي الميول مهووس بـ"محاربة الإمبريالية" إلى درجة دعته عام 2015 للقول إن "فرنسا تعيش في ظل الديكتاتورية".
"لجنة فالمي" التي تعد بمثابة "جماعة ضغط" فرنسية لصالح نظام بشار (لوبي الأسد)، تعرف عن نفسها بأنها "منظمة جمهورية، علمانية وتقدمية"، تقف ضد العولمة وتتبنى الطرح القومي في صورته "الراديكالية" التي ترى أن توحيد أوروبا يشكل خطرا داهما على فرنسا كأمة وجمهورية علمانية.
وفضلا عن علاقته بـ"معصراني" فإن لـ"بوليو" نشاطا مشتركا مع "الدكتورة أيسر ميداني"، ضمن إطار ما يسمى "أصدقاء العالم الدبلوماسي".
و"ميداني" من الأسماء التي أبرزها النظام في السنوات الأخيرة وصدرها كواجهة للدفاع عنه، وقلدها إدارة منظمات وهيئات ليس سوى شركات واجهة لأفرع مخابرات النظام.
ولم تقف محاربة "رانيا معصراني" للشعب السوري على الجانب السياسي، بل إنها حاولت وبقوة محاصرة هذا الشعب إغاثيا وإنسانيا عبر خطاب وجهته قبل سنوات إلى مدير العلاقات والعمليات الدولية في "الصليب الأحمر الفرنسي" تطلب فيه مقابلته من أجل ترويج رؤية النظام لدى هذه المنظمة، وتجيير ما تستطيع من مساعدتها، لتصب في خانة الموالين باعتبارهم "ضحايا الإرهاب" الذي يفتك بسوريا، أما الضحايا الحقيقيون فهم "الإرهابيون".
الحسين الشيشكلي - باريس - زمان الوصل (الصور من فرنس 24 وللغوطة من جيتي)
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية