يستهجن الوسط الإعلامي المعارض اعتماد كثير من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية والعربية على المرصد السوري لحقوق الإنسان لصاحبه رامي عبد الرحمن كمصدر رئيسي لمعلوماتها عن سورية ومجريات الأحداث فيها، وتناسى الإعلاميون المعارضون أنهم منحوا الفرصة واسعة ليكونوا في المكان الذي احتله المرصد وراميه، لكنهم فوتوها ببساطة لأسباب متعددة.
رغم أن انطلاقة المرصد سبقت الثورة السورية بسنوات إلا أنه احتل مكانته بعيد انطلاقها، اعتمادا على حاجة وسائل الإعلام العالمية لمصدر تنقل عنه أخبار الثورة، بعيدا عن التهويل بالاتجاهين، حيث وجدت فيه ناقلا وسطا بين طرفي المعادلة، وهذا ما يلبي سياساتها التحريرية والسياسية عموما.
شهدت شهور الثورة الأولى بروز ناشطين لا خبرة إعلامية لديهم، ولا قدرة لهم على تقدير مساوئ المبالغة في نقل الأخبار وحجم الأذى الذي قد تعود بها على الثورة ومصداقية مصادرها، في ظل نقص في محترفي المهنة الذي تأخروا نوعا ما بالخروج من حضن النظام، وعدم وجود مؤسسة إعلامية معارضة تتمتع بالخبرة والدعم المالي المناسب.
الناشطون بالغوا في أرقام المتظاهرين وأعداد الضحايا ونقلوا كثيرا من الأنباء غير الموثوقة، وعلى الطرف المقابل عَكَسَ إعلام النظام الصورة، فاختصر الأرقام، وتحدث عن المؤامرات والإرهاب، الأمر الذي دفع وسائل الإعلام العالمية للبحث عن مصدر يمثل الوسط بين هذا وذاك، وليس بالضرورة أن يكون متوازنا أو ناقلا شفافا للمشهد.
دون مقدمات بدأ رامي عبد الرحمن (وهو اسم حركي) المقيم في بريطانيا يتصدر الشاشات متحدثا عن مجريات الثورة السورية، وقدّم نفسه كمصدر يستقي معلوماته من عشرات المراسلين في سورية، ورغم ارتكابه للكثير من الأخطاء (المتعمدة) بنقل الأخبار إلا أنه استمر نبعا لها تعتمده كبريات مؤسسات الإعلام.
كثيرة هي الشكوك حول مصادر معلوماته وأمواله التي يحتاجها تشغيل المرصد والطريقة التي تمكن فيها من الوصول فيها إلى صدارة المشهد الإعلامي، فلا إثباتات على وجود مراسلين له، حيث بقي رامي الشخص الوحيد الذي يدلي بالمعلومات وينشرها بمعرّفات المرصد، ولم يظهر أي ناطق باسمه في الداخل.
ما استطعت التأكد منه أن رامي كان يدخل عبر أصدقاء له في الداخل إلى غرف أخبار تنسيقيات الثورة على "سكايب" بأسماء حركية، ويستقي منها معلوماته وينسبها لمراسلين يعملون معه، ينشرها وفقا للأجندة التي يعمل بها، ولم يدفع مقابل ذلك أموالا، وتم طرده من أكثر من غرفة عند اكتشاف أمره.
لم تنفع ملايين الدولارات التي ضخّتها المنظمات الدولية والسفارات الغربية والائتلاف وتجمعات سورية معارضة بخلق وكالة إعلام واحدة تتمتع بمصداقية يمكن لوسائل الإعلام العالمية الاعتماد عليها، رغم وجود عشرات الوكالات والجرائد الإلكترونية والورقية والمواقع والفضائيات ودخول مئات المحترفين للعمل فيها.
لقد التزمت غالبيتها بسياسة الداعم مصدر التمويل، وأهواء مديريها وهم بغالبيتهم من عديمي الخبرة والتخصص، عشّش فيها الفساد، واعتمدت على المحسوبيات في التوظيف، فكانت الخسائر مضاعفة، أولها غياب الحقيقة وليس آخرها فقدان الثورة والمعارضة لفرصة التدفق الإعلامي المؤثر.
أمام هشاشة إعلام المعارضة تسيّد المرصد الذي يقوم عليه شخص واحد واجهة الإعلام "المعارض"، وهو الذي بثّ سموما في أخباره جعلت من الثوار إرهابيين ومن المعارضين عملاء، وخفف من وطأة مجازر النظام وأبرزه (بشكل غير مباشر) رحيما بالسوريين أكثر من معارضتهم وثوارهم.
لا دلائل مؤكدة على دعم النظام لمرصد رامي عبد الرحمن، ولكن ما وصل إليه يؤكد على وقوف مؤسسات علاقات عامة كبيرة إلى جانبه، مكّنته من التسرّب إلى الإعلام العالمي، وليس من المنطق في شيء إلقاء اللائمة كاملة على المعارضة واتهامها بالتخبط الإعلامي، إذ إن التوجه الإعلامي العالمي يسير بخط متواز مع السياسة العالمية المائعة تجاه الأسد ونظامه وجرائمه بحق السوريين، وقد وجدوا بأخبار هذا المسخ الإعلامي "الوسطية" ما يناسب ذلك فاعتمدوها لتكون عونا في الحد من مطالبة شعوبهم بالتحرك لوقف المذبحة السورية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية