تعمل بعض المنظمات الحقوقية والإنسانية في محافظة إدلب المحررة على تسجيل المفقودين، سواء من ضحايا الاعتقال أو الخطف أو الاختفاء القسري في الثمانينات أو من ضحايا الحرب التي اندلعت منذ سنوات، بهدف إحصاء أعدادهم ومحاولة مساعدة ذويهم في إيجادهم، ولكن عملها يذهب أدراج الرياح بسبب تعنت النظام بشأن الكشف عن أعداد أو أوضاع المفقودين لديه، وشهدت المحافظة خلال العقود الأخيرة تغييبا لمئات الألوف من أبنائها بطرق وأساليب شتى الكثير منهم غيبوا في أحداث الثمانينات والجزء الآخر جراء الحرب التي يشنها النظام، إذ فقد الآلاف أيضاً ولم يُعرف مصيرهم إلى الآن، فيما يقف ذووهم في حيرة من أمرهم عاجزين عن فعل أي شيء فيما يتعلق بأوضاعهم كافة.
القاضي والنائب العام السابق "محمد نور حميدي" لفت إلى أن هناك فرقا بين المفقود والغائب في القانون السوري رغم وحدة الأحكام التي تعالج موضوعهما وهي مشكلة لا تخص المناطق المحرة، بل تشمل سوريا برمتها نظراً للأحداث المتوالية عليها؛ إذ لا يخلو بيت في هذه المناطق تقريباً إلا وفيه معتقل أو مفقود.
وأوضح حميدي لـ"زمان الوصل" أن المفقود وفق المادة (202) من الأحوال الشخصية السورية هو "كل شخص لا تعرف حياته أو مماته أو كانت حياته محققة ولكن لا يعرف له مكان وجود رغم أن كلا الطرفين يمكن لهما اكتساب حقوق وتحمل التزامات".
وأردف أن كلا المفقود والغائب -حسب القانون والقضاء- بحكم الموجودين، ومع ذلك إذا حكم بدعوى قضائية يمكن التنفيذ على أمواله، أما بالنسبة للحقوق المالية التي تترتب له أو عليه، فتبقى قائمة ويتحقق ذلك من خلال وكيل قضائي تعينه المحكمة بعد التأكد من أهليته ما لم يكن الغائب قد سمى وكيلاً عنه من نفسه قبل غيابه".
وفصّل القاضي في مفهوم الغائب في القانون السوري فحسب المادة (203) من قانون الأحوال الشخصية السوري الغائب هو "كل شخص منعته ظروفه القاهرة من الرجوع الى بلده وإدارة شؤونه بنفسه أو من خلال وكيل عنه مدة أكثر من سنة وتعطلت بذلك مصالحه ومصالح غيره، فإذا توفي له قريب يرثه وكأنه موجود ويحافظ القانون السوري على أملاكه وكأنه موجود ولا تسقط حقوقه لمجرد الغياب لحين ثبوته".
أما إذا كان الغياب بسبب عمليات حربية كما هو الحال اليوم، فإنه "يحكم بوفاته بعد مرور 4 سنوات على انقطاع أخباره".
لا يكاد يخلو بيت في مدينة إدلب وريفها من مفقودين أو مغيّبين منذ أحداث الثمانينات لا تعرف حياتهم من موتهم ولا يمكن الحكم بوفاتهم إلا بعد بلوغ الثمانين عاماً، ولذلك فكل ما يتعلق بهم أو بورثتهم من أمور مالية موقوفة حتى الآن –كما يؤكد حميدي- مشيراً إلى أن مشكلة أخرى تتعلق بوضع هؤلاء وهي عدم تزويد أي شخص مفقود من قبل السلطة بأي وثيقة تشعر بوفاته أو وجوده، لافتاً إلى أن مخابرات النظام اعتقلت في "أحداث الإخوان المسلمين" آلاف من الأشخاص منهم من توفي في سجن تدمر وإلى الآن لم تعترف السلطات بوفاتهم ولم تمنح ذويهم شهادات وفاة ولا تستطيع زوجاتهم الطلاق منهم والزواج بغيرهم، كما لا يمكن لورثتهم أن يتوزعوا التركة المتعلقة بهم نظراً لعدم وجود ما يُشعر بوفاتهم، فهم يرفضون الاعتراف بحرمان الشخص من حرّيته ويخفون مصيره ومكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون.
بعد اندلاع الثورة عام 2011 تجددت معاناة أهالي محافظة إدلب حيث تم اعتقال مئات الألوف من أبنائهم بتهم مختلفة، ولا يزال مصيرهم حتى الآن مجهولاً رغم مرور سنوات، ولا يمكن لأي محكمة أو سجل مدني أن يعطيا قراراً أو وثيقة تشعر أن هذا الشخص ميت أو بحكم الميت.
وأبان محدثنا أن هناك الكثير من الأشخاص تم اعتقال أبنائهم سواء من الجامعة أو على الحواجز وبطرق غير قانونية ورغم مراجعاتهم لأكثر من جهة لم يحصلوا على نتيجة، سواء ما يثبت اعتقالهم أو وفاتهم وبالتالي تتراكم الحقوق والإشكاليات جراء ذلك.
وأكد حميدي أن "معالجة موضوع المفقود والغائب في القانون السوري جاءت خجولة للأسف ولم تتعد المواد المتعلقة به الثلاث مواد من كامل مواد القانون".
ويتوزع في المناطق المحررة أكثر من 200 جهة تعمل على توثيق جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان من منظمات حقوقية ومؤسسات للمجتمع المدني وحتى المنظمات المهتمة بالإغاثة تعنى بهذه المواضيع ولكن عدم استجابة النظام وإدلائه بأي معلومات عن وضع المفقودين –بحسب القاضي حميدي- تحول دون الوصول إلى أي نتيجة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية