أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

انتهاء ٢٠٠٨ وإطلالة ٢٠٠٩ بين انطلاقة الأزمات ومفاعيلها

لن يكون عام ،٢٠٠٩ مهما كانت التوقعات السلبية، نتيجة الازمة المالية العالمية اسوأ من عام ،٢٠٠٨ على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية وحتى الأمنية والسياسية، باعتبار ان عام ٢٠٠٨ كان عام التأسيس وعام الانطلاقة لتكبير هذه الازمات. هذا بالحد الادنى للتفاؤل والتشاؤم على صعيدي الداخل والخارج.
وبمعزل عن نتائج العدوان الاسرائيلي على غزة وآثاره السلبية على العلاقات العربية والإقليمية البينية لجهة تعزيز عدم الاستقرارين السياسي والأمني، مما سيزيد من قوة ضغوط نتائج انعكاسات الازمة المالية على لبنان والمنطقة.
طبيعي في لبنان ان تكون آثار الازمة الاقتصادية، الناجمة عن الازمة المالية العالمية، والمؤثرة في شكل كبير في المنطقة والاسواق العربية، اقل سلبية، وأن ترتدي الطابع غير المباشر، وبالتالي ان يكون لبنان الأقل تضرراً، حتى على الصعيد المعيشي. ولهذا كله جملة اسباب يمكن سردها ببساطة كلية، ومن دون تعقيد وكثير اجتهاد.
اولاً- ان لبنان ليس بلداً صناعياً، ومن الدول المصدرة للسلع المتوسطة والثقيلة، وصناعته تقوم على الصناعات التحويلية البسيطة، وبالتالي فانه لن يتأثر كثيراً بحجم الركود الاقتصادي العالمي، الذي ادى الى اقفال المصانع او تقليص الانتاج في المصانع الكبرى، من سيارات وآليات وبتروكيماويات وغيرها. فكل صادرات لبنان الصناعية السنوية تقارب الملياري دولار في احسن الاحوال، يستورد مقابلها بأكثر من ١١ مليار دولار، وهذا ما يظهر من خلال النمو الكبير في عجز الميزان التجاري الذي يتزايد سنوياً. وما يهم في هذا الامر ان التأثير في حال حصوله سيتقاسم السلبيات بالايجابيات، باعتبار ان فاتورة الاستيراد ستتراجع وحجم العجز في الميزان التجاري سيتراجع بدوره، وقد تجد السلع اللبنانية فرصة لتغطية احتياجات السوق الداخلية، لا سيما ان تراجع كلفة الطاقة والنفط يساعد على تخفيض الكلفة ويمكن الصناعات من المنافسة ضمن حدود الاعفاءات المتاحة.
ثانياً- على صعيد القطاع المالي والمصرفي فإن ازمة السيولة الحاصلة لم تشمله، بدليل ارتفاع حجم الودائع السنوي الى حدود ١٢ في المئة، وهي كانت لتصل الى اكثر من ١٤ في المئة لولا انطلاقة الازمة في شهر ايلول. قبل شهر ايلول كانت احجام الودائع الشهرية تصل الى حوالى المليار دولار، وهي تراجعت بشكل كبير الى ما دون ٣٠٠ مليون دولار بعد ايلول. ومع ذلك فإن عام ٢٠٠٨ كان جيداً بالنسبة للسوق المالية والمصرفية باستثناء بورصة بيروت التي تأثرت تراجعاً في اسعار غالبية الاسهم ولو بنسبة اقل بكثير من الاسواق المجاورة. وهذا الامر يعود اولاً لصغر حجم بورصة بيروت وضيق حجم الأسهم المتداولة من جهة، والى النتائج المالية الكبيرة والأرباح المحققة للمصارف وشركة سوليدير، وهي تشكل اكثر من ٩٠ في المئة من حجم الأسهم المدرجة ورسملة البورصة السوقية.
وهنا لا بد من القول ان الاثر قد يستمر جزئيا خلال عام ٢٠٠٩ باعتبار ان الاسواق اللبنانية استوعبت عام الانطلاقة وهي قد تشعر بعام بداية المعالجات التي لا يبدو انها نضجت حتى اليوم.
ثالثاً- إن القطاع الاكثر تأثراً يفترض ان يكون القطاع العقاري، هذا ما حصل في العالمين الدولي والعربي، ولكن لبنان لم يشعر بتراجع الاسعار العقارية وبقي الطلب مرتفعا على المساكن بمختلف مستوياتها وخصوصاً لذوي الدخل المحدود وعبر المؤسسات الضامنة والمانحة للقروض السكنية. قد يقول البعض ان الطلب تركز في مناطق بيروت وضواحيها وجبل لبنان، وهذا امر صحيح، ولكنه لم يشهد تراجعات في اسعار المناطق. ان الاستقرار الذي حصل في القطاع العقاري خلال عام ٢٠٠٨ قد يستمر عام ،٢٠٠٩ بدليل ان اسعار الاسمنت في الداخل لم تتراجع وقد زاد الاستهلاك خلال عام ٢٠٠٨ اكثر من ٧ في المئة عن عام .٢٠٠٧ حتى عائدات الرسوم العقارية خلال العام المذكور زادت بشكل كبير مقارنة مع العام الذي سبقه نتيجة الإقبال على العمليات العقارية وتسجيلها.
رابعاً- هناك تخوف كبير من انعكاس تزايد ازمة السيولة في الخارج وتراجع مداخيل العاملين من لبنانيين وغيرهم بفعل الازمة في الخليج وهذا سينعكس سلباً على حجم التحويلات من الخارج الى لبنان. كما سينعكس على عائدات النشاط السياحي والحركة السياحية في لبنان ما لم تتوافر السياسة المشجعة عن طريق التسهيلات للحركة السياحية وإيجاد آلية لخفض الاسعار. فإذا ما تأثرت الحركة السياحية بشكل كبير نتيجة تراجع القدرة الشرائية لدى السياح القادمين من الخارج بفعل ازمة السيولة، وفي حال تراجعت حركة التحويلات والرساميل الوافدة من الخارج من اللبنانيين او غير اللبنانيين وتأثرت حركة الاستثمارات والتوظيفات الكبيرة، فإن حركة النمو الاقتصادي المتوقعة ستتراجع الى ما دون الـ٣ في المئة.
هذا الكلام ليس من باب التخمين او التكهنات، وإنما من باب الانطلاق من قدرة لبنان ومكامن القوة الاقتصادية فيه. فلبنان يقوم منذ الأمد البعيد على مثلث اساسي لجذب النمو، وهو يعتمد على التحويلات والرساميل الوافدة اولاً والحركة السياحية التي تستقطب الاموال الصعبة ثانيا، كذلك يقوم على حركة الصادرات اللبنانية الصناعية والزراعية برغم محدودية الزراعية قياساً الى حجم الصادرات التي قد تفوق الـ٢,٤ مليارات دولار خلال عام ٢٠٠٣ وهو رقم جيد قياسا الى حجم الازمة الحاصلة. إن تأثر أي من العناصر الثلاثة سيؤدي الى تراجع ملحوظ في النمو الاقتصادي خلال عام ٢٠٠٩ وهذا امر يستوجب التنبه باكراً قبل الانخراط في الهموم الانتخابية التي يبدو انها ستنطلق مع بداية عام ٢٠٠٩ وفي ابعد الحدود مع شهر شباط، وهو الشهر الثاني من السنة.
خامساً - اذا ما تأثر مثلث النمو الاقتصادي في لبنان فإن الازمة الاجتماعية ستظهر بشكل اكبر في لبنان ليس بسبب عمليات الصرف من الخدمة الداخلية، التي قد تظهر بسبب الركود الاقتصادي الذي يقلق المنطقة، وإنما بسبب ارتفاع نسبة البطالة التي زادت بشكل كبير عبر الازمات السياسية والحروب الاسرائيلية والداخلية من تموز ٢٠٠٦ الى ايار من عام ٢٠٠٨ وهو الأسوأ على صعيد الانقسام الداخلي برغم كل الخسائر السابقة واللاحقة في القطاعات المختلفة من اضرار مباشرة او غير مباشرة.
فالأزمة الاجتماعية هي الأخطر لأن عام انطلاقة الازمة المالية العالمية مضافاً اليها حجم التوترات الداخلية، كلها عناصر طاردة للاستثمارات والرساميل التي تخلق فرص العمل الجديدة في لبنان. وتؤكد تقديرات كبريات المصارف اللبنانية ان تأثر لبنان سيكون بتراجع حجم الاستثمارات الكبيرة والتمويل للمشاريع الكبيرة. وهذا يعني ضعفاً في خلق فرص العمل الجديدة لحوالى الف طالب فرصة عمل سنوياً، يضاف اليهم بضعة آلاف من اللبنانيين قد يتركون عملهم في اسواق الخليج والاسواق العالمية، وجلهم من اصحاب المهن الحرة والخبرات في قطاعات اساسية منها المالية والعقارية والادارية. واذا ما اخذنا في الاعتبار ان نسبة البطالة في لبنان زادت بعد حرب تموز الاسرائيلية حوالى ٦ في المئة مضافة الى حوالى ١١ في المئة سابقاً هذا يعني ان نسبة البطالة تفوق الـ١٧ في المئة في لبنان وهو من الارقام المقدر لها ان تصل الى ٢٤ في المئة في حال تراجعت الفرص في الاسواق العربية والإقليمية وهذه من بين اعلى نسب البطالة بين الدول العربية باستثناء العراق وفلسطين.
سادساً ـ تبقى مشكلة الخدمات وقطاعات الكهرباء والتقديمات وهو امر اساسي في تعزيز فرص العمل والنمو وتحسين المداخيل للحد من الركود الاقتصادي. فقطاع الكهرباء وصل اليوم الى الحدود الدنيا من العجز والكلفة قياساً الى السنوات الماضية حيث تراجع العجز من حوالى ١,٨ مليار دولار الى ما دون المليار دولار سنوياً نتيجة تراجع اسعار النفط. فهل استفادت الدولة من هذا التراجع لتحسين الكهرباء وتحسين التغذية وتكوين الاحتياطات اللازمة في ظل ترقبات تزايد ازمة السيولة وانسداد افق تأمين التمويل لعجز الموازنة ولتسديد الاستحقاقات في ظل ازمات السيولة التي تغزو الدول المانحة والدول النفطية التي كانت تساعد لبنان في الازمات وهي باتت اليوم بحاجة الى مساعدة في حل ازماتها؟
اخيراً يبقى الخوف ان يتحول عام ٢٠٠٩ الى عام قطاف الازمات بعدما شكل عام ٢٠٠٨ عام انطلاقتها وتكريسها اقتصادياً ومالياً على الصعيدين العالمي والعربي، على امل ان يبقى لبنان الاقل تضرراً من الخارج بعد ان تشقق جسمه من ازمات الداخل السياسية والطائفية.

(104)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي