أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الفلسطيني النبيل.. حسين الزعبي*

أرشيف

من أكثر المشاهد المؤذية للروح في المشهد السوري أن ترى تشكيلات فلسطينية تتدافع للوقوف إلى جانب نظام الأسد في حربه على الشعب، وقد لا نبالغ إن قلنا إن هذا المشهد أكثر أذية للسوري من أن يرى الجيش السوري نفسه يقتل السوريين، إذ يفترض أن التشكيلات الفلسطينية تحمل لواء واحدة من أنبل القضايا السياسية ذات البعد الإنساني، هذا إن لم تكن الأنبل على الإطلاق.

ومصدر هذه الأذية أن منطق الأشياء يفترض أن يقف الشعب الفلسطيني بتنظيماته إلى جانب الشعوب العربية التي ثارت على الأنظمة، فهذه الأنظمة هي نفسها التي سلمت للإسرائيليين أكثر من نصف فلسطين خلال ثمانية أيام فيما يعرف بحرب العام 1948 والذي اطلق عليها فيما بعد النكبة.

وامتداد أنظمة مسرحية العام 1948 هي نفسها التي نفذت مسرحية العام 1967 وسلمت خلال ستة أيام الضفة الغربية وسيناء والجولان، ربما ثمنا لبقائها على رقاب الشعوب حتى الآن.

ومن جملة السخريات التي كشفها ثورات الربيع العربي، وبشكل خاص الثورة السورية، تعريتها لتنظيمات اليسار الفلسطيني، فهي لم تتحالف مع الأنظمة القاتلة وحسب، بل تحالفت مع ميليشيات يمينية طائفية تحمل رايات "ثأرية" عمرها أكثر من 1400 عام، هذا فضلا عن حملها بعدا قوميا فارسيا يتناقض بطبيعته مع الطروحات القومية للتنظيمات الفلسطينية.

الربيع العربي أطاح بالتابوهات والثوابت الزائفة التي رسختها الأنظمة المأجورة منذ مرحلة انتهاء الاستعمار المباشر، ولعل أبرز ما أطيح به، مفهوم أن القضية الفلسطينية يملكها من ينتمي وفق "الأوراق الثبوتية" لفلسطين، فالقضية الفلسطينية هي قضية أمة بكاملها، ومن يقاتل الأسد في سبيل الوصول إلى دولة العدالة والقانون، وهو بشكل أوتوماتيكي يقاتل لصالح القضية الفلسطينية، ومن يقتل الأطفال والنساء ويستقدم كل الغزاة ليحافظوا على كرسيه هو نفسه الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية، بل ولن يتورع أن يقتل الفلسطيني في سبيل هذا الكرسي، وهذا ما فعله نظام الأسد الابن ومن قبله الأب في أكثر من مناسبة.

في هذا المشهد الأسود، تبقى هناك نقاط مضيئة، من بينها النبيل "بسام جرار" الذي يمثل أحد حملة راية الربيع العربي في الداخل الفلسطيني، فهو يحمل هذه الراية بإمكانيات متواضعة.

وفي استثمار كامل لإمكانيات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا يوفر "جرار" فرصة ليكون متحدثا باسم الشعوب الثائرة والمقهورة ومهاجما ومنتقدا وأحيانا شاتما الأنظمة العربية، كل الأنظمة العربية، التي وضعت على رقاب الشعوب دون موافقتها، من دون أن يستثني التنظيمات الفلسطينية التي تؤازر القتلة، مع سعيه الواضح لترسيخ فكرة أن أهم معايير الحالة الديمقراطية هي حقوق الشعوب باختيار حكامها وأنظمتها.

أخيرا، لست هنا بوارد الترويج لأشخاص بقدر ما هي محاولة للقول مثلما أن هناك فلسطينيا وضع برقبته دماء الأبرياء، هناك آخر لا يفصل همه اليومي كفلسطيني عن هم الشعوب المقهورة في سوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق.. قد يكون له حق علينا أن نشير إليه مجرد إشارة على الأقل.

*من كتاب "زمان الوصل"
(176)    هل أعجبتك المقالة (176)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي