أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بشرٌ أم ملائكةٌ في الغوطة.. عبد السلام حاج بكري*

من الغوطة - جيتي

غرّة واحدة للصبيّة كافية لانسكاب قصائد تتدفق حبّا وهياما، وسبع غرّات وشّحت جبين الغوطة جعلتها تقترب من الجنّة المتخيلة جمالا، غازلها كل من زارها وتمنى زيارتها من لم يفعل، إنها الغوطة التي سربلها بردى وشركاه بالحبّ والألفة، فكانت الأم الرؤوم التي احتضنت الطفلة النضرة دمشق، لا شيء فيها اليوم يعكس كل ذلك الجمال إلا سكانها، يصبرون ويتحملون كالأنبياء، يقاومون همجية الكون كل الكون بالتوحد مع ترابها فوقه وفيه.

أعداؤهم وأعداؤها متعددون، ومنهم من شرب من ماء الغوطة لكنه شذّ عن قاعدة الهيام، في حين لا غرابة بأن يُجرم شذاذ الآفاق بحقها لأنهم لا يدركون كنه الجمال أو الإنسانية، يتاجرون بالدم النقي لتحقيق كسب طائفي أو مادي.

لا عداء بين بشار الأسد وقادة غالبية فصائل الغوطة لأنهم ليسوا من الذين مشوا على أقدامهم وصولا إلى العباسيين والزبلطاني في الطريق إلى قصره في حي المهاجرين، وهم من سلّمه النقاط الحساسة وابتعدوا عن المطار وطريقه مقابل وعود ومغريات صغيرة تناسب تطلعاتهم وأحجامهم، وهم من كبحوا جماح الثائرين في وجهه و"ضبّوهم" في فصائل يتم التحكم فيها عن بعد. 

عداوة بشار مع أهل الغوطة ورجالها الميامين الذين زحفوا على دمشق ليخلصوها منه، ليعيدوا الكرامة والعدالة للمقهورين، هؤلاء فقط هم أعداؤه، لذلك يقصف مشافيهم ومدارس أطفالهم، لذلك حاصرهم ومنع عنهم الطعام والدواء، ينتقم منهم (وقد وجد مجرمين أمثاله يساندونه) يريد أن يبكمهم إلى الأبد إما تحت التراب، أو فوقه في سجن كبير بحضنه، أسوة بالدمشقيين الذين ساندوه وخذلوهم، وكانوا ممن يتنشقون عبير الغوطة ليتعلموا معنى الفرح.

المجرم ومعه حثالات من الكافرين بقدسية الغوطة من أبنائها يساندهم سفاح روسيا وحقد إيران الطائفي على الفسطاط الأموي لم يتمكنوا من زحزحة أقدام الثائرين المخلصين فيها، سنوات من الحصار الحديدي، وأمهم الغوطة تطعمهم رغم جفاف أثدائها، وقد أقسموا بأفعالهم أنهم باقون ما بقيت.
عندما اقتسم المجرمون الجغرافيا السورية اتفقوا على أن تكون دمشق ومحيطها في حيّز النفوذ الإيراني، ومهدوا لذلك بالسماح بحركة تشييع واسعة، وتجنيس أوسع لمئات الآلاف من المرتزقة من العراق وأفغانستان وإيران، تمهيدا لتوطينهم في المنطقة التي يسلّمها الخونة من قادة الفصائل أو في تلك التي يحرقونها فتخلو من البشر والحجر.

أهالي الغوطة يدركون ذلك جيدا، ثبتوا ستة أعوام على الحصار، دفعوا خلالها عشرات آلاف الضحايا بقصف لم يسمح لهم يوما النوم بهدوء، ويبدو أنهم مستعدون للمزيد من الصبر والتحمل رغم إصرار الأعداء على كسرهم، فقط يحتاجون صحوة ضمير ممن سبق وباع وسلّم شيئا من ترابها المقدس لطاغية الشام.

إن صحوة ضمير من المعنيين من القادة كفيل بإبعاد جيش النظام وكل المرتزقة إلى أوكارهم، بل ويمكنهم سحبهم من أوكارهم لما يمتلكونه من سلاح وإرادة لدى المقاتلين من أبناء هذه القطعة النبيلة وممن معهم من أبناء سورية الأحرار.

إن صحوة ضمير على نطاق أوسع، تصل إلى قادة الفصائل المعتدلة في بقية المناطق السورية القادرة على سحق المجرم وشركائه، ولن تنفعه مساندة روسيا الفعلية بالقتال إلى جانبه بأحدث أسلحتها، لأن سلاحهم أمضى، إنه حب الشام ونسائم الحرية، والتوق إلى العدالة والقصاص للضحايا.

مرّ على دمشق المغول والتتر والرومان والبيزنطيون وغيرهم من المحتلين، كلهم أحبوها، لكنهم غاروا منها فحقدوا عليها وأصلوها نيران الغضب، وكلهم رحلوا وانتصر حب الحياة لدى أهلها، ستنتصر الغوطة وإن تأخر إِزهار المشمش والدراق عاما أو بعض عام، لكن الأم الرؤوم ستمنح الثمار قريبا لأبنائها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(183)    هل أعجبتك المقالة (170)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي