لا يشبه ما يحصل في الغوطة أي مجزرة في التاريخ الإنساني من حيث كمية الحقد التي يصبها القاتل على ضحاياه، ولا في الطريقة القذرة التي تدار فيها معركة غير متكافئة بين عزل مدنيين وسلاح حديث بيد حاقد.
ما يجري في الغوطة اليوم أكبر من مذبحة أو إبادة وسط صمت العالم سواء أولئك الذين ينتمون إلينا ديناً وعرقاً ولغة، وأولئك الذين يتقاسمون معنا إنسانيتنا وهواء هذه الكرة الأرضية المعجونة بدماء الضحايا وأنات الأطفال.
ومع شلال الدم اليومي، وصور القتلى المفزعة تسمع أصواتاً سورية من الداخل والخارج تؤيد هذا الفعل الشنيع وتبرره، وترى في الضحية سبباً لموتها البشع، وفي يد القاتل وسلاحه أهم أسباب النجاة لبلاد لم يعد يجمعها سوى الثأر والدم، وهذا ما تكرر في حلب بين شرقها المغمس بالأسى وغربها الذي يرقص مبتهجاً بنصر القاتل.
وإن أراد ساسة العالم توصيف ما يجري على أنه تكرار لما حدث في حلب من مقتلة انتهت إلى خروج أهلها ومقاتليها إلى الريف تاركين خلفهم صورهم وجثث ذويهم، إلا أن الأمر في غوطة دمشق مختلف جداً عما جرى في حلب، والدوافع مختلفة وإن كان اللاعبون الدوليون ما زالوا هم بكامل صلفهم ومصالحهم.
أما ما يبعث على الجنون والريبة فهو ما ذهب إليه بعض المثقفين العرب والفلسطينيين منهم على وجه الدقة من ضرورة خروج المقاتلين من الغوطة، والتذكير بمأساة بيروت 1982 وخروج مقاتلي المقاومة الفلسطينية منها تحت ضربات الاحتلال الإسرائيلي، وفقط لإنقاذ ما بقي من سكان بيروت...هو قمة الفصام والغرابة.
أحد هؤلاء ويدعى (يونس عطاري) كتب على صفحته على "فيسبوك": (غوطة دمشق = بيروت الغربية ...خرجت قوات الثورة الفلسطينية وقياداتها من بيروت 1982 شهر حزيران بعد حصار وقصف استمر 83 يوما...خرج الفلسطينيون حفاظا على أرواح المدنيين رغم أن نتائج الخروج كانت كارثية على الشعب الفلسطيني منها مجازر صبرا وشاتيلا وايضا تدهور القضية الفلسطينية إلى ما نحن عليه الآن... عودوا لتاريخ تلك الفترة ادرسوها...واخرجوا من الغوطة الدمشقية كما خرجت الثورة الفلسطينية من بيروت.... كانت الطائرات تقصف حتى علب السردين).
إلى هذا الشخص وكل من أيد هذا الرأي: الغوطة الشرقية جزء عزيز من سوريا الأم، وتاريخها يشهد على مقاومتها لكل الغزاة الذين مروا في هذا المكان، ومن هنا يمكن أن تكون المعادلة الأكثر صحة وعدلاً...قلْ للمقدسيين أن يخرجوا من قدسهم، وللغزاويين أن يخرجوا من غزة وسنطلب من أهل الغوطة وأبنائها المقاتلين أن يخرجوا...في الغوطة كما القدس يقاتل أهلها دفاعاً عن بيوتهم وتاريخهم وذكرياتهم، وليسوا في أراضٍ غريبة عن لون لحمهم وبشرتهم، هم حيث يجب أن يكونوا، وليس بمقدور أحد أن يطلب منهم كيف يكون شكل الموت والحياة التي يريدونها.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية