أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الإعلام الأميركي يودع بوش طاويا أسوأ الفترات بتاريخ السياسة الخارجية

مع إنتهاء إدارة الرئيس بوش وتولي الرئيس الجديد السلطة دستوريًّا في العشرين من يناير القادم، اهتمت وسائل الإعلام الأميركية بوداع إدارة الرئيس بوش، بالوقوف على كل ما حدث على مدار الأعوام الثمانية الماضية، في فترة يعتبرها البعض ـ سواء داخل الولايات المتحدة الأميركية أو خارجها ـ من أسوأ الفترات في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية. وفي هذا السياق جاءت عديدٌ من المقابلات التلفزيونية التي كان ضيوفها بعض الأعضاء البارزين في الإدارة الأميركية، للحديث عما تم في مطبخ صنع السياسة في البيت الأبيض، ورؤيتهم لما حدث خلال سنوات وجودهم في الحكم، وما تم إتباعه من سياسات وممارسات على مدار هذه الفترة. فمنذ أيام تحدث نائب الرئيس ديك تشيني على شبكة فوكس نيوز، ومؤخرًا حلت وزيرة الخارجية الأميركية ومستشارة الأمن القومي السابقة كونداليزا رايس ضيفًا على قناة MSNBC، وطرحت الوزيرة الأميركية كثيرًا من الآراء والتقييمات حول كثيرٍ من الأمور، التي أثارت جدلاً في السياسة الخارجية الأميركية خلال فترتي إدارة بوش.

كيف يرى العالم أميركا

في هذا السياق أعد برنامج واجه الصحافة، يقدمه ديفيد جريجوري  على شبكة MSNBC، حلقة خاصة مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس ، للحديث عن السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة على مدار الأعوام الثمانية الماضية، فيما يمكن اعتباره بمثابة تقييمٍ لهذه الفترة من جانب أحد كبار صناع السياسة الخارجية الأميركية، فقد كانت مستشارة للأمن القومي في فترة بوش الأولى، فضلاً عن كونها أحد الخبراء في السياسة الخارجية لخبرتها الأكاديمية.

وبدأ جريجوري بالحديث عما كان منتظرًا أن تكون عليه السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارتي الرئيس بوش. ففي المناظرة الرئاسية التي عقدت في أكتوبر من عام 2000، سئل بوش عن كيفية رؤية العالم للولايات المتحدة وسياساتها الخارجية، أكد أن هذا سوف يعتمد على الطريقة التي سوف تدير بها الولايات المتحدة سياساتها الخارجية، فلو كانت أمة متواضعة ولكن قوية فإن العالم سوف يرحب بها.

وتساءل جريجوري تعقيبًا على هذه العبارة: هل ما زال العالم يرى الولايات المتحدة هذه الدولة المتواضعة التي تحدث عنها بوش، بعد أن شارفت فترتا إدارة بوش على الانتهاء؟. وفي إجابتها على هذا التساؤل أكدت رايس أن العالم ما يزال يرى الولايات مكانًا تحترم فيه كثيرٌ من القيم المثالية، التي لها قبول في كل أنحاء العالم. ومكانًا يتمكن فيه فرد ذو حال متواضعة أن يحقق أشياء عظيمة. وأشارت الوزيرة إلى أنه قد تكون هناك بعض الأشياء التي قامت بها الولايات المتحدة لم تكن محل ترحيب من البعض. وهناك البعض الذي رفضها، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية ما تزال مكانًا محترمًا عبر العالم أجمع.

وفي إطار إجابتها على تساؤل مفاده هل صاغ بوش بالفعل سياسة خارجية متواضعة كما دعا إلى ذلك في حملته الانتخابية؟ خاصة بعد التغييرات الكثيرة التي شهدتها السياسة الخارجية الأمريكية عقب الحادي عشر من سبتمبر، قالت رايس: إلى أنه ليس من التواضع أن يترك أفرادًا يعيشون في كنف القهر والظلم والاستبداد الذي تمارسه النظم الحاكمة عليهم، صحيح أن البعض مثل العرب ليسوا مستعدين بعد للعيش في ظل نظم ديمقراطية وقد يكون الأفارقة في بداية الطريق أيضًا، ولكن ترك هؤلاء دونَ مساعدة أمر لا يمكن قبوله، فهؤلاء البشر يستحقون الحياة ذاتها التي يعيشها مواطنو الولايات المتحدة، ويستحقون الحصول على الحقوق والحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها أي إنسان. فالتواضع في السياسة الخارجية الأميركية كان في إطلاق أكبر برنامج للرعاية الصحية، وخطة الطوارئ التي وضعها الرئيس بوش من أجل مواجهة مرض الإيدز، ومضاعفة المساعدات الخارجية للقارة الأفريقية.

لابد من الأصدقاء والحلفاء

وعن الدروس التي استفادتها رايس باعتبارها أحد عناصر الدائرة التي كانت مقربة من الرئيس بوش طوال مدة حكمه، سواء باعتبارها مستشارة للأمن القومي، ثم وزيرة الخارجية، أكدت الوزيرة أنها تعلمت أن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تعمل بمفردها من أجل إنجاز ما يجب عمله في العالم، فهي دائمًا في حاجة إلى أصدقاء، وهي بالفعل لديها أصدقاء كثيرون حول العالم، أصدقاء يشاركونها في القيم والمعتقدات في أوروبا وآسيا وفي أميركا اللاتينية وأفريقيا. وأضافت أن أصدقاءها يزدادون يومًا بعد يوم في منطقة الشرق الأوسط.

ولكنها أيضًا لفتت الانتباه إلى الطبيعة المعقدة للدبلوماسية الجماعية وصعوبتها، لذلك فهي تتسم بالبطء، ولكن هناك كثيرًا من الأشياء والقضايا التي لا يمكن معالجتها دون حشد التأييد الدولي من أجلها، لذلك عبرت وزيرة الخارجية عن ندمها الشديد لعدم قدرة الولايات المتحدة على عمل الكثير بالنسبة للسودان، ومعالجة الصراعات الكثيرة التي يعج بها، خاصة الإبادة الجماعية التي يشهدها إقليم دارفور.

الإبادة الجماعية من رواندا إلى السودان: ماذا فعلت أميركا؟!

وعلى هذا الصعيد أكدت رايس أن السكان في إقليم دارفور يعيشون حياة مرعبة، وقد استطاعت الولايات المتحدة بالتعاون مع المجتمع الدولي أن ترسل قوات دولية لحفظ السلام هناك. ولهذا سأل جريجوري: لماذا لم تتدخل الولايات المتحدة بصورة منفردة في هذا الملف الشائك؟ وفي سياق إجابتها أشارت رايس Rice إلى أن التدخل المنفرد من جانب الولايات المتحدة في شئون دولة عربية أو دولة إسلامية هو خيار شديد التعقيد، ولا يمكن اللجوء إليه بسهولة، أو بالأحرى هناك صعوبة في اعتباره خيارًا مطروحًا للتعامل. ولكن رغم ذلك فإن الرئيس بوش أخذ هذا الخيار في الاعتبار وفكر فيه كثيرًا، حسب رايس، وفيما يمكن أن يسفر عنه من نتائج وتداعيات. وأضافت أن الولايات المتحدة حشدت تأييد المجتمع الدولي وعبأت رأيًا عالميًّا رافضًا لما يجري في السودان، مما كان له أكبر الأثر في تحرك الأمم المتحدة وقادة العالم وتأكيدهم على ضرورة تحمل مسئولياتهم في حماية سكان دارفور طالما عجزت الحكومة السودانية عن حماية مواطنيها.

ولكن كل ذلك كان مجرد تصريحات لفظية، فقد واجهت الولايات المتحدة وضعًا لم يتم فيه شيء على أرض الواقع، فتحركت بصورة منفردة وفرضت مجموعة من العقوبات على الحكومة السودانية، ونشطت في الدعوات المطالبة بتدخل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة القادة السودانيين المسئولين عن تدهور الأوضاع في دارفور، بالرغم من أن الولايات المتحدة ليست عضوًا في المحكمة. بعبارة أخرى تدخلت الولايات المتحدة بصورة منفردة في الصراع وقامت بالكثير، ولكن كان يمكن عمل الكثير إذا تم حشد المجتمع الدولي بالصورة المناسبة.

ومن جانبه أكد جريجوري على أنه في 16 عامًا فقط وقد شهد عهدي الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش الابن إبادة جماعية حدثت في رواندا وأخرى تحدث في دارفور، ولكن لم تستطع الولايات المتحدة أن تفعل كثيرًا. وتعقيبًا على هذا اعتبرت الوزيرة أن هذا الكلام صحيحٌ، ولكنها في الوقت ذاته أكدت أن الولايات تدخلت بقوة في عديدٍ من الحالات لحماية السكان الأبرياء، وضربت المثل في هذا السياق بما حدث في العراق والتدخل الأميركي هناك، وأكدت على أن سجل نظام صدام حسين في التعامل مع شعبه كان شديد السوء، فقد ارتكب الرئيس العراقي عديدًا من عمليات الإبادة الجماعية ضد الشيعة والأكراد، واستعمل أسلحة الدمار الشامل خاصة الأسلحة الكيماوية ضدهم، وأشارت إلى حركة طالبان وما قامت به من ممارسات قمعية ضد الشعب الأفغاني.

وترى رايس أنه في مثل هذه الحالات التي يرتبط فيها احترام القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة وضرورة التحرك للدفاع عنها من جهة، والأمن والمصالح القومية للولايات المتحدة من جهة أخرى، كان لابد من دور عسكري نشط تقوم به القوات المسلحة الأميركية، من أجل حماية الأبرياء، ولكن هذا الأمر لم يمثل إشارة جيدة من جانب الولايات المتحدة للمجتمع الدولي، ولم ينعكس في صورة توافق داخل مجلس الأمن حول القضية العراقية، كما حدث مع قضية دارفور.

التاريخ لن يذكر حذاء الوداع ولكن عراقً ديمقراطيًّا

أما فيما يتعلق بالعراق وما حدث في الزيارة الأخيرة للرئيس بوش هناك، وقيام الصحافي العراقي منتظر الزيدى بإلقاء الحذاء عليه أثناء المؤتمر الصحفي، الذي عقده الرئيس مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، قالت رايس أنها ترى هذا الموضوع من زاوية مختلفة تمامًا، حيث أكدت على أن التاريخ لن يذكر مثل هذه الحادثة، وأنه إذا كان هناك شيءٌ سيذكره التاريخ، فإنه سيذكر أن الرئيس الأميركي وقف جنبًا إلى جنب مع رئيس وزراء عراقي منتخب من الشعب، وهو رئيس وزراء شيعي، يترأس حكومة تضم أطيافًا مختلفة تمثل كل الشعب العراقي، حكومة ديمقراطية موجودة في قلب منطقة الشرق الأوسط، وقعت مع الولايات المتحدة عددًا من الاتفاقيات الهامة التي يأتي على رأسها الاتفاقية الأمنية التي تحدد وضع القوات الأميركية خلال الفترة القادمة وحتى عام 2011، أيضًا اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تحدد شكل ومسار العلاقات الأميركية - العراقية في المستقبل.

وعن التأكيدات التي أشارت إليها وزيرة الخارجية في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بأنه لو عاد الزمن مرة أخرى فإن الولايات المتحدة سوف تعمل على تحرير العراق تماما كما فعلت، هذا في الوقت الذي أشار فيه استطلاع للرأي قامت به صحيفة وول ستريت وشبكة إن بي سي الإخبارية NBC بأن الشعب الأميركي يرى أن العراق هو الفشل الأكبر في عهد إدارة الرئيس بوش ، وأكدت رايس أن حرب العراق ليست قصة بسيطة، فيجب عند النظر إليها وتقييمها أن ننظر إلى مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه عراق جديد ومختلف في منطقة الشرق الأوسط كلها، هذه المنطقة التي أتى منها خاطفو الطائرات التي نفذت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فالعراق هو قلب منطقة الشرق الأوسط، والشرق الأوسط هو قلب تنظيم القاعدة.

وقالت: إنه عند تناول مدى نجاح السياسة الأميركية في العراق يجب أولاً النظر إلى العراق قبل التحرير الأميركي له، فقد كان شعبه خاضعًا لنظام صدام حسين، الذي جرَّ المنطقة إلى عدد من الحروب، وجرَّ الولايات المتحدة ذاتها إلى أحد هذه الحروب، وهو نظام سعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل واستخدمها، وهو عدو للولايات المتحدة، وألقى بحوالي 300 ألف من مواطني العراق في مقابر جماعية، فقد كان يمثل خطرًا على شعبه وعلى جيرانه أيضًا، ولكن الوضع الآن في العراق مختلف تمامًا، فهناك عراق مختلف على رأس نظامه حكومة ديمقراطية متعددة الطوائف والإثنيات، نظام لا يسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وهو في سلام مع جيرانه، ويسعى إلى إعادة الاندماج في العالم العربي مرة أخرى، الأمر الذي توج بأول زيارة رسمية يقوم بها وزير خارجية مصري للعراق من ثلاثين عامًا، وفى الكويت ارتفع علم العراق مرة أخرى هناك.

وبالتالي لفتت وزيرة الخارجية الانتباه إلى أن هذا هو العراق الذي يمثل قلب المنطقة والحليف القوي للولايات المتحدة، عراق سوف يسهم بصورة جوهرية في تغيير شكل منطقة الشرق الأوسط، وثم هل يمكن اعتبار هذا - من وجهة نظر جريجوري - إعلانًا لانتصار الولايات المتحدة في العراق، في هذا الشأن أشارت الوزيرة إلى أن الولايات المتحدة في طريقها لتحقيق هذا النصر، أيضًا العراقيون أنفسهم على الطريق لتحقيقه، وهذا سيتم بتمكن القوات العراقية من هزيمة الجماعات المسلحة الخاصة التي تدعمها إيران في البصرة في جنوب البلاد.

أما فيما يتعلق بإيران وتأكيد جريجوري على أنها اكتسبت قوة أكبر في ظل إدارة بوش وسياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط، فقد اكتسبت نفوذًا كبيرًا في العراق وغيره من المناطق الهامة في المنطقة خاصة فلسطين، فهي تعمل هناك على عرقلة جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن رايس أكدت أن الأمور ليست بهذه الصورة، فقالت: إنه عندما أتت إدارة الرئيس بوش إلى السلطة في الولايات المتحدة لم يكن هناك أحدٌ بين الدول يريد أن يصدق أن إيران تسعى إلى الحصول على الأسلحة النووية ، لذلك لم يكن هناك تحالف دولي من الدول داخل مجلس الأمن يرغب في التصويت على قرار يطالب القيادة الإيرانية بوقف تخصيب اليورانيوم، ولم يكن هناك مجتمع دولي يقف بحزم أمام الطموحات النووية الإيرانية، أما الآن فهناك دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول العربية بالتعاون مع القوى الدولية - التي تتولى إدارة هذا الملف - تطالب إيران بوقف طموحاتها النووية. وفي النهاية أكدت رايس أن إيران بالطبع سوف يكون لها تأثير في العراق فهي أحد دول الجوار المباشر له، ولكنها لن تستطيع إيقاف المسيرة هناك.

تقرير واشنطن
(105)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي