أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الوطن أيضا ليس وجهة نظر.. حسين الزعبي*

دوما - جيتي

أثارت حادثة إسقاط طائرة الـ "اف 16" والضربات الإسرائيلية لمواقع النظام في مطار "تي فور" وغيره جدلية جديدة تضاف إلى جملة الجدليات التي أفرزتها الحالة السورية.

وهذه المرة تبدو المسألة أكثر حساسية، وربما أكثر ضبابية، فالحديث عن مفهوم "الخيانة" من وحي التعاطي مع ما حدث، كمن يسير على حافة السكين.

قبل البدء بكتابة هذه الزاوية أجريت جولة سريعة على تفسيرات مفردة الخيانة التي وردت في القرآن الكريم والسيرة النبوية، فوجدت أنها تدور حول معنى رئيسي هو "خيانة الأمانة أو الوعد والعهد"، ولم تخرج معاجم اللغة في تفسيرها عن هذا المعنى، فكلها أيضا تدور ضمن معنى "خيانة الأمانة ونقض العهود"، وفي هذا تأتي خيانة عهد الصديق والخيانة الزوجية وصولا إلى خيانة الأمة، والأخيرة عرفها الدستور الأمريكي -وأخشى أن أتهم بالخيانة لأنني أوردت مثال الدستور الأمريكي- بأنها "شن حرب ضد الولايات المتحدة (من قبل مواطن أو مجموعة من مواطنيها) أو مساعدة أعدائها".

أما "الخيانة" بحسب الحالة السورية، فمن أمثلتها أن ينظر السوري المؤيد للنظام إلى من يرحب بالتدخل التركي على أنه خائن، وكذلك يراه المنتسب لـ"ب ي د" أو المؤيد له، ولا يرى الأول في التدخل الإيراني والروسي الأمر نفسه، أما الثاني فهو أيضا لا يرى في التدخل الأمريكي أي شكل من أشكال الخيانة، والأمر ينطبق كذلك على من يؤيد التدخل التركي، وفي هذه الأمثلة تبدو الحدود واضحة لا إشكالية نظرية فيها.

إلا أن المسألة لا تبدو كذلك عند الحديث عن إسرائيل سواء لجهة العلاقات معها، أو لجهة الصدامات العسكرية، وهذا أمر طبيعي فمنذ الانقلابات الأولى في معظم الدول العربية على تجاربها الديمقراطية "الهشة" في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وإسرائيل حاضرة كعدو في مأكل ومشرب ومتنفس الشعب العربي، ليس بهدف تجهيز وتحفيز الشعب بغية القيام بفعل عسكري يعيد الفلسطيني المشرد في مشارق الأرض ومغاربها، كما هو حال السوري الآن، إلى وطنه، بل لجعل إسرائيل فزاعة تمنع هذه الشعوب من الاقتراب من حقوقها، وبدأ كتبة السلاطين بالترسيخ النظري لمفهوم الوطنية على أنها مقابل للخيانة، ولا ضير لديهم إن كانت هذه الأنظمة اول الخائنين لأمانات الشعوب.

مثلما الخيانة ليست وجهة نظر، فالوطنية بمعنى الانتماء لبقعة جغرافية معلومة الحدود والسكان، وإن صحت مفردة "الوطنية" كمقابل لمفردة "الخيانة" فهي الأخرى ليست مفهوما مجردا في سياق جملة رومانسية حالمة تدغدغ المشاعر، بل هي حقوق وواجبات وقوانين وحياة مكتملة العناصر يفترض أن تدور كلها في محور الإنسان وخدمته، فلا وطن من دون إنسان، بالمعنى المجرد، فما بالك إذا كان بالمعنى المادي الوجودي، ووجود الإنسان السوري في "وطنه" بات مهددا، إما نفيا من الحياة برمتها، أو نفيا إلى غياهب السجون.

ولكي لا نضيع بوصلة الفكرة، نعود مرة أخرى إلى المعنى الحقيقي لمفهوم الخيانة، وهو "خيانة الأمانة والعهد والوعد" ولنعيد الاشياء إلى أصلها، فمن جاء إلى الحكم بدبابة انقلاب أول من خان الأمانة، أمانة الدساتير وأمانة مهمة حماية حدود الوطن وليس الاستيلاء عليه، ولننظر إلى من خان الدستور أولا، ومن فصله على مقاساته، وإلى من خان أمانة أموال الناس وحولها إلى ملك شخصي، عندها ربما يزول الضباب ويبدو المشهد أكثر وضوحا.

ملاحظة:
تستعد جريدة "زمان الوصل"، لإطلاق أكبر محرك بحث على الإطلاق يضم حوالي مليون ونصف المليون (فقط مليون ونصف المليون) اسم من المطلوبين لأجهزة مخابرات النظام.. وما أدراك ما هي مخابرات النظام.

*من كتاب "زمان الوصل"
(165)    هل أعجبتك المقالة (173)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي