أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صورة الإسلام على الشبكة العنكبوتية.. فؤاد حميرة*

أرشيف

من المفترض أن تكون زاويتي هذا الأسبوع عن "الثورة وأزمة الهوية"، غير إن طارئا بسيطا جعلني أغير الموضوع، ذلك أني كتبت منشورا على فيسبوك أتناول فيه قولا للخليفة عمر بن الخطاب يقول فيه "لو استقبلت من أمري ما استأخرت لأخذت أموال الأغنياء ووزعتها على الفقراء، فما اغتنى غني إلا بفقر فقير" . وأقولها بكل صدق أني فوجئت بالردود التي تراوحت بين من ينسب المقولة للخليفة علي وليس للخليفة عمر رضي الله عنهما، وبين فئة لم تسمع بالمقولة على الإطلاق وبين مشكك بوجودها أصلا.

عدت إلى الشبكة العنكبوتية للحصول على إثباتات لنسب الحديث أولا، فلم أعثر إلا على بعض المراجع التي تؤيد نسب الحديث للخليفة علي وصياغات مختلفة عما أوردته في منشوري، تعمقت في البحث أكثر، فاكتشفت أن الحديث غير موجود في البخاري (المنشور على الشبكة العنكبوتية) ولقد راعني الأمر فعلا وأقلقني للغاية، فبين عشرات الأحاديث التي تتناول إرضاع الكبير وأساطير ما بعد الموت وعذابات القبور وغيرها من الأحاديث الضعيفة لا أجد مرجعا واحدا على النت يذكر حديث سيدنا عمر.

عدت إلى بعض المراجع التي أذكر أني قرأت الحديث فيها، والتي أحضرتها معي بالصدفة من مكتبتي الخاصة في دمشق، فوقعت على مرجع للباحث هادي العلوي يتناول فيه المؤامرة على الخليفة عمر ومقتله على يد أبو لؤلؤة، وأورد العلوي في مرجعه الحديث الذي أدرجته في منشوري على الفيسبوك، ثم ذكر العلوي مرجعه الذي استقى منه الحديث، لأفاجأ بأنه البخاري نفسه.. أمر غريب حقا، فالعلوي يورد المرجع والصفحة والطبعة، فيما البخاري على النت لا يأتي على ذكر الحديث لا من قريب ولا من بعيد.

مالذي يحدث؟؟ هل هي محاولات للتغطية على حديث سيدنا عمر أو الحديث برمته بغض النظر عن نسبه لأي خليفة كان، أم إن وراء الأمر عملية تصحيح للبخاري وغيره من المرويات الإسلامية؟؟ أم أن الباحث هادي العلوي ينسب الحديث للخليفة عمر دون مستند حقيقي؟ وهذا ما أستبعده بالطبع لما يعرفه الجميع عن العلوي ممن الرصانة والأمانة العلمية والتاريخية .

ما زاد الطين بلة أن أحد الأصدقاء قام بعملية بحث عن الحديث نفسه فلم يجد له أثرا على النت، بل أنه لم يجد أثر لحديث آخر شهير جدا عن الخليفة عمر حين يقول: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، ولقد أثمر بحث الصديق ذاته عن أن الحديث كله غير صحيح أساسا أن الإسلام يبيح الرق فمن غير المعقول أن يخالف الخليفة تعاليم الإسلام بمقولته الشهيرة تلك.

والآن ... أرى أن الأمر يستحق بحثا عميقا وتقصيا علميا دقيقا لمعرفة الحقيقة، هل ما تعلمناه كان خطأ أم أن وراء الأجمة ما وراءها؟، وأعتقد جازما أن هناك قوى ما (وهي إسلامية بالتأكيد) تريد التعمية على بعض الجوانب في المرويات الإسلامية وفي المرورث الإسلامي على حساب إظهار ونشر موروث آخر وهو إسلامي أيضا لا شك في ذلك، ولكن لمصلحة ما يتم إبراز جانب على حساب الجوانب الأخرى. فالحديث عن العدالة والمساواة الاجتماعية يبدو محرما وغير مقبول، في حين أن الإضاءة على جوانب أخرى متخلفة وتثير النفور لدى الكثيرين هو ما يجري، وهذه العملية ربما تتم بدافع من الجهل لا أكثر، وربما أن الأمر ليس بريئا وقد يحمل في ثناياه خطورة ينبغي الوقوف عندها والتصدي لها.

أنا لا أتحدث هنا عم مؤامرة ضد الإسلام... أبدا، وإنما أقول إن هناك قوى إسلامية ربما تفضل الحديث عن الحجاب والعفة على حساب الحديث عن المساواة والعدالة ولا أعتقد أن للموضوع صلة بالرغبة في تنقية الإسلام مما اعتراه في الماضي من موروث متخلف أو ما علق به عبر الألف عام الماضية من مقولات غير إسلامية أصلا.

ومع انتشار فيديوهات لرجال دين في خطب تثير الاشمزاز أحيانا وتكرس قيم التخلف في الموروث الإسلامي، كالحديث عن تفنيد كروية الأرض أو فوائد بول الشيخ وتحوله إلى دواء أو خطبة الشيخ للدجاجات، وغيرها من الفيديوهات التي تعتبر خاصرة رخوة في تقديم مفهوم حقيقي للإسلام.. قد تكون فكرة المؤامرة واردة ولكنها من قوى إسلامية وليست من قوى خارج الإسلام.

لابد من التأكيد على أفكار الخير والحق والجمال في الموروث الإسلامي، والتذكير دوما بأفكار العدل والمساواة وحقوق المؤمن وغير المؤمن في الإسلام.

إن التكنولوجيا وما تقدمه الشبكة العنكبوتية من فرص لمن هب ودب لينشر الفيديوهات والأحاديث غير المسؤولة، تسهم في تقديم الصورة الغريبة عن الإسلام الحقيقي، ويتم استغلالها بنشاط للطعن في تقديم الوجه الحضاري للفكر الإسلامي وتكريس فكرة أن الإسلام يحمل فكرا متخلفا وعدوانيا ضد كل ما هو غير مسلم، وأن الموروث الإسلامي بعيد عن قيم العدالة والخير والجمال، فهناك من يقوم بعملية الحذف وفقا لأهواء ومصالح معينة، وعملية الإضافة وفقا لذات الرؤى التي لا تخدم الفكر الإسلامي بأي حال من الأحوال.

*من كتاب "زمان الوصل"
(197)    هل أعجبتك المقالة (217)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي