أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ويستمر اللعب بالسوريين.. عبد السلام حاج بكري*

الكاتب: وحده الشعب السوري يخسر كل المباريات لأنه لا يشارك فيها أصلا

من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه يستمر اللعب بهذا البلد المنكوب وبسكانه الذين ما عرفوا الهدوء منذ الرصاصة الأولى لبشار الأسد عليهم قبل سبع سنوات، ويتسابق كل المحتلين وأدواتهم لإبراز مهاراتهم في اقتناص النقاط من رصيد لا يمتلكون منه شيئا.

أحدث الألعاب جرت قبل يومين عندما أوعز الأسد وحلفاؤه لتنظيم "الدولة الإسلامية" بالعبور بأمن وسلام من ريف حماة الشرقي إلى ريف إدلب، لإعطاء روسيا والنظام وإيران مبررا أقوى لاستمرار تصعيدهم في قتل المدنيين فيها عبر كل أنواع الأسلحة من الجو والبر والبحر.

عبور التنظيم كان من منافذ فتحها له جيش النظام وحليفه حزب الله، وما كان ليحدث لو لم يكن التنظيم أداة طيعة بخدمة النظام وحلفائه، ولكان من اليسير القضاء عليه وهو يسير بطرقات مكشوفة يسهل اقتناصه فيها فيما لو احتسبوه عدّوا.

وفي عفرين يستمر الجيش التركي بلعبة "الضرب على الناعم" على خصم طالما وصمته تركية بالإرهابي، وكأن هذا الجيش بانتظار أوامر جديدة قد تكون مغايرة لما في جعبته عندما انطلق باتجاه المدينة، وقد تكون الأوامر الجديدة باتجاه تسريع العملية أو تغيير الاتجاه كليا، وذلك مرتبط بجديد المقايضات في إدلب والشمال.

ولا تبتعد الضربة الأمريكية لعناصر من جيش الأسد وبعض الروس والإيرانيين شرق دير الزور عندما حاولت التقدم باتجاه قواعد "قسد"، ولا شك أن أردوغان سيفكر مليا في مغزى القصف، وقد يقوده إلى عدم استبعاد احتمال تعرض قواته في عفرين لضربة مماثلة، وهي التي تقاتل الفصيل ذاته هناك، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف متفرجة على تحركه هناك، لا بل أبدت تفهما إعلاميا على الأقل لمصالح تركية في الشمال.

وتشارك تركيا في المضمار بفعالية تجلت بتحقيق زمن قياسي بتسليم جثة الطيار الروسي إلى موسكو، وهنا تنفخ اللبن بعدما احترقت بحليب إسقاط الطائرة الروسية في ريف اللاذقية قبل سنتين، فانتفضت لتسلم الجثة خوفا من أزمة جديدة مع روسية شبيهة بتلك التي حدثت عند إسقاط الطائرة، وخشية تأثير ذلك على التفاهمات المعلنة والسرّية مع الروس حول الهدن والدول الضامنة وعمليات تبادل مناطق السيطرة بين ريف إدلب وعفرين وربما غيرها.

وفي الحيّز الزمني والمكاني ذاته تدور لعبة إعلامية يتم فيها تراشق الاتهامات بالعمالة والخيانة، تعكس حالة تنافسية غير شريفة لم تشهدها ساحة الثورة السورية قبل الآن، وتزداد المعركة ضراوة لتصل لجمهور الإعلاميين فتفرز اصطفافات عكستها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

في السردية الآنفة وغيرها الكثير مما لم يرد فيها، يبدو واضحا أن الجميع يسعى فقط لكسب أكثر الممكن من المتاح السوري، الذي لم يجد له راعيا وحاميا، حتى المعارضة يتم اقتيادها كموقف وجغرافيا إلى جديد التفاهمات وما يطرأ عليها أيضا دون أن تبذل جهدا كافيا لتغيير شيء في مجريات اللعب. 

وعلى المدرجات يتناقص عدد الجماهير سريعا إما موتا بإجرام اللاعبين أو هربا من هذا الاحتمال الكبير، وبالانتقال إلى الملعب الواقعي نجد أن اختلاف اللاعبين فيما بينهم ينعكس دماء على السوريين، فعندما تريد إسرائيل الضغط على الأسد وحزب الله لتقديم المزيد لها توجه لهما ضربة صاروخية إعلامية، فيرد النظام بقصف حاقد على الغوطة.

ولكي تحتفظ بالنفط تريق أمريكا دما سوريا، ومن أجل إبقاء رماد التوتر مع روسيا فوق الجمر تهديها تركية جثة الطيار التي كانت كافية لإخراج عشرات بل المئات من المعتقلين في سجون النظام لو تم التفاوض على ذلك.

وحده الشعب السوري يخسر كل المباريات لأنه لا يشارك فيها أصلا، بل تجري على ملعبه ويدفع ثمن تذاكرها ويتحمل تبعات شغب لاعبيها رغم اتفاقهم على النتيجة النهائية.

*من كتاب "زمان الوصل"
(130)    هل أعجبتك المقالة (125)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي