أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصور الحروب "عمار عبد ربه"..بشار مهتم بالصورة التي كان حافظ يكرهها

عبد ربه - أدناه صور بعدسته من سوريا - زمان الوصل

حجز المصور السوري "عمار عبد ربه" لنفسه مكاناً بارزاً بين المصورين المهمين على المستوى العربي والدولي منذ أكثر من ربع قرن، إذ وثق أحداثاً مهمة بعدسته سواء في المنطقة أو في الدول التي شهدت حروباً ونزاعات دموية كلبنان والعراق وسوريا وسراييفو، وصوّر العديد من الشخصيات والقادة العالميين والمشاهير.

كما أمضى عقدين من الزمن كمصور مقرب من النخبة الحاكمة في سوريا قبل أن يأخذ موقفاً معارضاً من النظام ويغادر سوريا مع بدء الثورة السورية، ليقينه بأن الخلود لا وجود له إلا في الصور التي تبقى وحدها بعد انهيار الأنظمة الديكتاتورية.

وروى "عبد ربه" في حديث لـ"زمان الوصل" أن الكاميرا والتصوير لم يكونا من ضمن اهتماماته أو شغفه، بل كانت لديه رغبة في أن يكون صحفياً استقصائياً بعد دراسته للعلوم السياسية في معهد "سيانس بو" بباريس، مضيفاً أن القدر شاء أن يلتقي بمصورين ويعمل في بداية مسيرته المهنية في وكالة أنباء مختصة في الصور الصحفية، وعندها انتقل إلى "جرثومة" التصوير أو ما يسميه أهل الشام بـ"السوسة"-حسب تعبيره- أي أن التصوير الذي تحول فيما بعد إلى شغف واهتمام وهجس بالصورة، وكيفية التقاطها وكيفية التعبير من خلالها عن موضوع صحفي أو عن فكرة أو كيفية تقدّيم شخصية ما.

وآنذاك ترك المصور الدمشقي صحافة القلم ليركض وراء الصورة يقول:"كان للصورة سحر وسلطة أكبر مما نجده في الصحافة المكتوبة لأن الصورة يمكن أن تسافر وتلمس وتترك انطباعاً عند أشخاص من ثقافات مختلفة بدون أي مترجم أو أي وسيط وهذا كان ولايزال مثار إعجابي".


فيما بعد ونتيجة الخبرة المهنية والنجاح الذي حققه عبد ربه بدأ بالاحتكاك بعالم المشاهير في السياسية، وكان مصوراً مقرباً من حافظ الأسد وبشار الأسد قبل أن تندلع الحرب في سوريا، وقام بتغطية وتصوير وتوثيق نشاطاتهما في سوريا بين سنوات 1990 و2011 وكان هذا الاحتكاك –حسب قوله- من صلب مهنته فالسياسيون هم من تكتب عنهم المجلات والصحف وتكتب عن قراراتهم وخياراتهم وشخصياتهم وطريقة العمل التي يتبعونها..الخ، كما يقول.

عبد ربه لفت إلى أنه لم يحصر اهتمامه بمشاهير السياسة بل دأب على الاهتمام بتصوير الشخصيات الثقافية والاقتصادية والفعاليات والحياة اليومية للناس، بعيداً عن المشاهير.

ولفت عمار عبد ربه إلى أن الاقتراب من السياسيين وتصويرهم لم يكن بالأمر السهل بالنسبة له، ولكن الحظ واللقاءات رافقاه ونجح في إقناع البعض بالموافقة على التصوير.

وأبان أن حياته "كانت ولا تزال مثل حياة أي مصور صحفي مهني محفوفة بأوقات من السفر والتنقل والتماشي مع الظروف والضوء وطلبات المجلات والصحف والحرص والحفاظ على الامن الشخصي خلال السفر إلى مناطق النزاعات والحرب". 

وعاصر الفنان المقيم في العاصمة الفرنسية باريس بكاميرته خلال عقدين من الزمن صورة النظام السوري من الداخل وتغير اهتمام الأب وابنه واختلاف نظرتهما إلى التصوير، فحافظ الأسد –كما يقول- كان ضابطاً عسكرياً، ولم يكن يهتم بالصور أو يبالي بها، بل كان يبدي مشاعر من الخوف والكراهية تجاهها أحياناً، بينما كان لدى بشار -كما يكشف محدثنا- اهتمام كبير بالصورة منذ صغره وكان مصوراً هاوياً يظهّر ويطبع صوره في "مختبر" خاص في منزل الأسرة. 


ويتحدث عبد ربه بحماس عن الثورة السورية التي انحاز إليها منذ انطلاقتها فهذه الثورة –كما يقول– جاءت كصرخة لتوقظنا جميعاً من حالة نوم وتخدير دامت عشرات السنين اعتاد السوريون خلالها على مظاهر الفساد والرشوة والظلم والإهانة والخوف والذل وعلى الهجرة والتطهير العرقي والأحكام العرفية والإعلام الكاذب، وعدم التدخل بأي شيء قد يكون مكلفاً أو مزعجاً.

واستدرك المصور أن ثمن كلمة الحق كان باهظاً وكان لا بد من دعمها والوقوف معها، ولذلك اختار تأييد الثورة والانحياز إليها، لافتا إلى أن وظيفة الصورة خلال الثورة هي "إظهار الحقائق والتصدي للأكاذيب والإشاعات".

وأشار إلى أن في سوريا لا تواجه قصفاً من الأرض والجو فحسب، بل قصف إعلامي يشوه الحقيقة التي يعيشها السوريون الأحرار في الداخل ويقدم صورتهم على أنهم إرهابيون جهاديون يقبضون أموالاً من دول أجنبية، وهنا يأتي دور الصورة لتعيد الأمور إلى حقيقتها، وهذا ما حاول أن يعمل عليه من زاويته الصغرى. 

دخل عبد ربه إلى حلب عام 2013 حيث كانت المدينة مقسومة إلى أحياء شرقية تحت سيطرة المعارضة، وأخرى غربية تحت سيطرة قوات النظام، وهناك التقط الكثير من الصور التي تجسد يوميات الحرب في المدينة، وأقام بها معرضاً في باريس فيما بعد، وكشف المصور الخمسيني أن الصور التي عرضها لم يلتقطها في البداية لتعرض أي أنها ليست قطعاً أو أعمالاً فنية بل هي لقطات عن الحياة اليومية في واحدة من أقدم وأجمل مدن العالم تحت الحصار والقصف.

وأعرب محدثنا عن أسفه لأن عدداً قليلاً جداً من وسائل الإعلام اهتمت بهذه الصور وكان اهتمامها -كما يؤكد- منصباً على كل ما يخص تنظيم الدولة، لذلك وجد ضرورة إقامة معرض يسمح بتقديم هذه الصور والتعريف عن الحياة اليومية لأهالي حلب للجمهور الفرنسي، وأُقيم هذا المعرض في باريس بداية ولكنه انتقل فيما بعد إلى مدن فرنسية عدة مثل الونسن وكان وايسودان وفي مدارس وجامعات، كما عرضت الصور أيضاً في برلين وفي الدوحة ووصلت إلى الناس دون وسائل الإعلام التقليدية. 

واستعاد عبد ربه ظروف دخوله إلى حلب والتقاطه لصور المعرض مشيراً إلى أنه عانى من التنقل والمرور على الحواجز التي نصبها النظام للوصول إلى قلب المدينة، ولكن معاناته لا تشكل شيئاً بالنسبة لمن صوّر يومياتهم الذين لم يختاروا الوضع الذي فُرض عليهم وعاشوا رغماً عنهم في جحيمه.


وأردف أن الشعب السوري يُقتل اليوم على يد من يفترض أن يكون مكلفاً بالدفاع عنه بالدبابات والصواريخ وغيرها من الأسلحة الذي جاع حتى اشتراها، واستدرك أن "هذا الشعب ليس عصابة جهاديين أو مرتزقة كما يصوّرهم إعلام النظام وجزء كبير من إعلام العالم للأسف، بل هم أناس محبون للحياة يرقصون في وجه الرصاص والموت ويصورون مسلسلات كوميدية تحت القصف ويواجهون نظاماً يدمر بيوتهم ومستشفياتهم ومخابزهم ومدارسهم وكل مقومات الحياة لديهم.

وعمار عبد ربه ولد في العاصمة السورية دمشق في عام 1966 وعاش في طرابلس ليبيا وبيروت لبنان قبل أن يأتي إلى فرنسا في سن الثانية عشر ومنذ ذلك الحين وهو يعيش فيها، حيث حصل على الجنسية الفرنسية، بالإضافة إلى جنسيته السورية.

وفي سن الـ15 فاز عبد ربه بمسابقة مدرسية في مجال الكتابة عن المقاومة الفرنسية ضد النازيين وتلقى تكريماً مع الفائزين الآخرين من قبل عمدة باريس آنذاك "جاك شيراك" وجمع أرشيفه الكثير من الصور للزعماء والمشاهير العرب والعالميين كالملكة اليزابيث، ورئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو والملك الأردني عبد الله بن الحسين والأمير الوليد بن طلال والمغني العالمي مايكل جاكسون وعالم الفيزياء "ستيفن هوكينج"، وتجاوز عدد زوار صفحته في معرضه الافتراضي على موقع "فليكر" العالمي مليونين و500 ألف زائر.

فارس الرفاعي - زمان الوصل - خاص
(275)    هل أعجبتك المقالة (262)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي