كنت أحدث صديقا، قبل أيام، أن النظام و المجتمع الدولي، يريد من الشعب السوري أن يكون نسخة طبق الأصل عن الشخصين اللذين أرسلا التحية من مؤتمر سوتشي، إلى صديقهما ناظم حنطاية " أبو خالد " .. فهما على الرغم من أنهما موجودان في مؤتمر يفترض أنه يناقش مستقبل سوريا، إلا أنهما كانا مشغولين بالتعبير عن فرحتهما لصديقهما لوجودهما في سوتشي.. وكأنهما غير مصدقين لما يحصل لهما من تطورات كبيرة وتقدير، لم يحلما بالوصول إليه طوال حياتهما.
أما الأخ "أبو خالد" الذي لم يحضر المؤتمر، فقد حقق شهرة أكثر من صديقيه، وأخذت الناس تبحث عنه في وسائل التواصل، إلى أن وقعت على صفحته في فيسبوك، ليتبين أنه يعمل في مجال النقل، بينما لم يستبعد كثيرون أن يكون صديقاه اللذان يشاركان في المؤتمر، يعملان عنده كـ " شوفيرية " باصات، لأن تصرفهما لا يدل على أنهما أعلى من هذا المستوى .
لقد كانت خطة النظام على الدوام أن يضع أشخاصا في مواقع مسؤولية، أكبر منهم بكثير، ولا تنتمي إلى اختصاصهم، وذلك من أن أجل يشعروا بالفخر والاعتزاز الفارغ، وبالتالي يكونوا مستعدين لتلبية كافة توجيهاته دون نقاش أو اعتراض . وفي كثير من الأحيان يبدع مثل هؤلاء الأشخاص في تقديم الخدمات وبشكل يفوق تصور النظام ذاته.
وأما أن المجتمع الدولي يعمل على نفس السياسة، فهو الجديد في الموضوع.. فهو الآخر، وعندما قررت بعض الدول الكبرى دعم المعارضة السورية، أو إظهار أنها تقف إلى جانبها ، أول ما عملت عليه هو دعم شوفيرية السرافيس وبائعي السحلب في الشوارع و"السرسرية"، وعملت منهم معارضين وقيادات، تماما مثلما فعلت مع نوري المالكي، عندما حولته من بائع بسطة في شوارع دمشق إلى رئيس وزراء العراق.
وإذا ما ألقينا نظرة على سبع سنوات إلى الوراء، سوف نجد أن من تم دعمهم والزج بهم إلى الواجهة في الثورة السورية، ليسوا من ذوي الاختصاص، وذلك من أجل أن يسهل اللعب بهم وثنيهم والسيطرة عليهم، بينما جرى استبعاد كل من يملك القدرة على الاعتراض والرفض .. وهذا الامر يمكن ملاحظته بدءا من العمل السياسي إلى العسكري مرورا بالإعلامي ولا نستثني كذلك حتى الجانب الطبي والإغاثي والتعليمي .. فلا نستغرب مثلا أن من كان يملك القرار في موضوع معالجة الجرحى في الأردن، لم يكن طبيبا، وإنما شخصا جرى جلبه من على قارعة الطريق ؟! وقس على ذلك .
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهم يريدون من باقي فئات الشعب السوري الذين لازالوا ينتقدون هذا المشهد، أن يصلوا إلى مرحلة ، يتحولون فيها إلى "بهاليل"، لشدة العجائب والغرائب والتناقضات التي يراقبونها بصمت ولا يستطيعون فعل شيء حيالها.. وقد بدأنا نلمس بوادر هذا الجنون والقهر، وبالذات لدى النخبة التي جرى تحييدها ..
وقد كنت أقول لصديق إنه مادام هناك صوتا سوريا حرا ومعترضا وحتى لو كان مقيما في أوروبا، فإن الدول الكبرى لن تتدخل لوقف المذبحة السورية.. إنهم يريدون بالضبط كتم صوت الشعب السوري بالكامل، وسحب إرادته وجعله يقبل بأي شيء، وعندها قد يتدخلون لوضع رجلهم الذي سيخدم مصالحهم.. وهو ما حدث مع الشعب العراقي
إذن، المعركة لا تجري على الأرض السورية فحسب، وقرار حسمها ليس هناك فقط، بل هي تشملنا نحن السوريين ، الذين لازلنا نقاوم ونحرض على الثورة وننتقد بشدة.. يريدون منا ، أن يقتصر حضورنا في المشهد السوري، على التقاط الصور في أوروبا وتركيا وباقي الدول التي يوجد بها السوريون، وإرسال التحيات لـناظم حنطاية "أبو خالد" .. وهذا لعمري بعيد عن شواربهم وشوارب النظام.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية