بواقعية شديدة ومن دون رومانسية ثورية هل يمكننا الإجابة على سؤال يهمنا جميعاً: هل نجح "سوتشي"؟، وهل استطاع النظام تمرير (خازوق) جديد للمرجعية الدولية المتمثلة بجنيف؟
نعم، كي نخرج من أوهامنا لا بد أن نفكر بواقعية مفرطة، وأن نقول الأشياء كما هي، ونبدأ بقراءة موضوعية لما يجري حولنا بدون أي شعارات فضفاضة لم يعد العالم يأخذ بها بعد سنوات طويلة من الموت والقهر.
وبالرغم من مقاطعة هيئة التفاوض لمؤتمر "سوتشي"، إلا أن أطرافا محسوبة عليها حضرت كمنصات وكأشخاص، وكذلك بعض أطياف الائتلاف لم تتأخر في تلبية الدعوة- وما صور إذلال هؤلاء إلا دليل على إمعان روسيا والنظام في احتقارهم- وهذا ما اعتبر دليلاً على اختراق جديد هذه المرة من داخل المعارضة.
بالمقابل أرسل النظام كل شبيحته على كل المستويات والاختصاصات لتمثيله والهتاف له علانية ليقول للعالم إنه الأكثر شعبية وتوافقاً، وفي نفس الوقت أعلن عبر قنواته ومواقع تواصله رفضه للعملية التفاوضية مع من أسماهم بالخونة، وهذا كله بمباركة من راعي المؤتمر روسيا الحليفة.
المبعوث الدولي "ستيفان ديمستورا" حضر ولم يحضر، احتج على تشكيل اللجنة الدستورية ورفض حضور جلسات المؤتمر، ولكنه من خارج المؤتمر عاد وباركها وأكد أنه ستدخل في سياق (جنيف)، ولتلطيف وقاحته تحدث عن توازٍ عادل لكل أطياف السوريين في هذه اللجنة التي سيتم اختصارها إلى 45 شخصية ستعمل على تغيير الدستور، وبمرسوم يصدره رأس النظام.
نتائج المؤتمر أيضاً كانت بالضبط هي ما أصر النظام عليه من أنه يمكن التنازل لتشكيل حكومة وطنية يكون للمعارضة فيها مناصب لن تتعدى وزارات غير فاعلة، وتعديل دستوري مسمى (إصلاحات) لن تكون في جوهر الدستور.
المؤتمر شهد أيضاً عودة وجوه (معارضة) لصدارة المشهد مثل "هيثم مناع وميس كريدي وقدري جميل رندة قسيس"، وهؤلاء محسوبون على خط النظام- روسيا، وينظرون للمعارضة في أطيافها الأخرى على أنهم "إرهابيون وعملاء لدول إقليمية ومخابرات دول داعمة".
في "سوتشي" حضر المجرمون والقتلة كممثلين للشعب السوري، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إصرار روسي على إعادة إنتاج النظام من نفس البيئة المجرمة، والأدهى من ذلك أن يبادر "قدري جميل" لمصافحة "معراج اورال" جزار بانياس، أمام الكاميرات في صورة لا أوضح منها في توصيف حالة التعاضد بين النظام ومن يعتبرون أنفسهم يمثلون طيفاً سورياً علمانياً.
في توصيف كل هذا المشهد الميلودرامي في "سوتشي" تتضح تفاصيل جديدة من المؤامرة على الثورة ودماء أبنائها، وهذا ما يحتم على السوريين الشرفاء ممن ما زالت الثورة دينهم ومرامهم أن يفكروا بمعزل عن كل العالم وهيئاته وقوانينه، وأن يدركوا أنهم أيتام زمن سطوة القوة والباطل، وأن مفتاح نصرهم معقود على إعادة الثقة بينهم وبين حاضنتهم الشعبية المنهكة، وأن يعترفوا بأخطائهم...والحق جولات.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية