أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وفاة من أرخ لـ "العلويين ودولتهم المستقلة" تفتح الملف.. هل انقلب حافظ الأسد لصالح طائفته أم عليهم؟

العقيد محمد هواش في شبابه وهو في الجيش والأخرى حديثة من منفاه في فرنسا - زمان الوصل

الجزء الأول

**سيرة هواش ووالده تثبت أن أشد من اضطهد العلويين هم العلويون أنفسهم، ممثلين بالتحديد بآل الأسد
**كان العلويون يتعاملون مع العثمانيين، ومع السوريين –خلال وبعد الاستقلال- بمنطق السياسة والمصالح، حتى تسلم دفتهم "التدميريون".
**عندما كان حافظ يحبو كان "عزيز هواش" يحكم مساحات واسعة من سوريا.

لغاية في نفس حافظ الأسد، سادت ساحة السوريين لعقود دعاية عن اضطهاد العلويين وقهرهم وتهميشهم المفرط، قبل أن يأتي حافظ وينتشلهم من العدم إلى مناصب السيادة والقيادة، ويني لهم "مجدا وملكا عظيما".

ويبدو أن نشر هذه الدعاية كان "ضرورة" كبيرة لإيصال حافظ إلى مرتبة "القائد الضرورة"، لاسيما عند العلويين، باعتباره الزعيم الحتمي الذي لاغنى عنه، ولا يمكن لأحد أن يسد مكانه، ومن الغريب أن هذه الدعاية جازت -أو لقيت قبولا- على معظم السوريين بمن فيهم العلويون، الذين يفترض أن يكونوا أدرى الناس بتاريخهم وسير وجهائهم.

ورغم أن العودة لوقائع التاريخ القريب، والمدون بعضه بأقلام علويين، تنسف كل دعاية حافظ وعصبته التي استولى بها على البلاد، فإنها –أي الدعاية- ظلت باقية وتتمدد وتعشش في عقول الأجيال، حتى باتت بديهية تحرم مناقشتها، ولعل وفاة واحدة من رموز العلويين وزعمائهم مؤخرا في باريس، تمثل فرصة مواتية للإضاءة على شيء من تاريخ العلويين قبل حقبة الأسد، ومناقشة هذا "المحرم" في إطار عرض سيرة هذا "الزعيم" وعائلته.

*غدرا
تقول معلومات "زمان الوصل" إن العقيد المسرح "محمد عزيز (بيك) الهواش" توفي يوم الأربعاء 24 كانون الثاني/ يناير 2018 في مدينة باريس عن عمر يناهز 88 عاما، ليختم بذلك حياة ابن واحد من أبرز عائلات العلويين زعامة على المستويين العشائري والسياسي، حيث كانت تتوارث هذه الزعامة و"البكوية" جيلا عن جيل وتحجز مكانها في سدة وجهاء البلاد، قبل أن يولد حافظ بل حتى قبل أن يولد أبوه "علي الأسد"، ما سيضعنا أمام حقيقة صادمة مفادها أن انقلاب حافظ لم يكن لأجل العلويين بقدر ما كان عليهم، ولم يكن لاسترجاع حقوق تقول الدعاية إنها كانت مسلوبة، بقدر ما كان تضخيما لـ"مظلومية" تتيح رفع أسهم حافظ في بازار الطائفة وتمنح هذا المقتحم من خارج دائرة العائلات الحاكمة أفضلية على أسر وشخصيات سلم العلويون بها ولها منذ مئات السنين، وارتضوها لقيادتهم والمنافحة عن مطالبهم في كل ساح، ولدى كل "حكومة"، بدءا من العثمانيين وانتهاء بحكومة بلادهم (قبل الأسد) مرورا بالفرنسيين.

ولد "محمد هواش" في صافيتا عام 1930، لأب يدعى "عزيز بك" ويكنى "أبو جهاد" كان له تاريخ طويل من الزعامة والتنقل بين المناصب الرفيعة، وكان "عزيز" نفسه ولدا لزعيم أكبر هو "إسماعيل" الذي هو بدوره الابن البكر لـ"هواش"، وكل هؤلاء تعاقبوا على شؤون عشيرة "المتاورة" العلوية، وكانوا أعيانها في نظر العلويين وكل السوريين، من أيام العثمانيين وصولا إلى انقلاب حافظ، الذي تكفل بإطفاء جذوة زعامة "آل هواش" وغيرهم من العائلات العلوية الكبرى، لصالح الإبقاء على زعامته.

وقبل الخوض في تاريخ العقيد "محمد عزيز هواش" وعائلته كاملة، لابد من الإشارة إلى أن "آل الهواش" هم نفسهم "آل خير بيك" (منهم هواش خير بيك، وناصيف خير بيك)، نسبة إلى جدهم "إسماعيل خير بيك" الذي غدر به خاله العلوي"علي الشلة" وقتله، بل قيل إنه احتز رأسه وسلمه للحكومة العثمانية، التي ما يزال العلويون يضعونها في رأس قائمة الأعداء ويتهمونها بارتكاب أشنع المجازر بهم، وهو ما فند بعضه كتاب علويون لاحقا، وسيفنده هذا التقرير كما يفند غيره من الروايات.

*طرده أنباء طائفته
سجل التاريخ العقيد "محمد عزيز هواش" كأول ضحية عسكرية علوية لانقلاب 8 آذار 1963، الذي كان في حقيقته انقلابا طائفيا ألبس لبوس "الثورة"، إذا سرعان ما سرحته اللجنة العسكرية القائمة على الانقلاب، ووضعت اسمه في رأس جدول المطرودين من الجيش باعتباره "غير مرغوب به" نظرا لمنبته الطبقي (ابن زعيم)، وكان هذا المؤشر الأول الذي يكشف عن ماهية الانقلاب وهويته، وهدفه المتمثل في انتزاع الدفة من وجهاء وزعماء العلويين الذين كانوا حينها يمارسون سلطاتهم بأريحية ويتسنمون المناصب بلا أي حساسية، وتسليم هذه الدفة لـ"فقراء" أو "منبوذي" العلويين ليتحكموا بمصير الطائفة والبلاد، تأسيسا على دعايات موهومة وروايات مسمومة.

فقد كان حافظ الأسد (الذي يُصور بمنقذ العلويين) يحبو عندما كان "عزيز هواش" (والد محمد) واليا على "لواء حوران" الذي يشمل مساحات شاسعة من سوريا تضم الجولان ودرعا والسويداء، عام 1933، وعندما كان حافظ في السادسة فقط كان "عزيز هواش" محافظا على "لواء دمشق"، التي كانت "أم البلاد السورية"، حسب منطوق زعماء "دولة العلويين".

وقبل ذلك، أي حتى قبل ميلاد حافظ، كان "عزيز هواش" قائدا لشرطة دمشق (عام 1926)، وكان قبلها على أيام العثمانيين (المتهمين باضطهاد العلويين على أساس طائفي) قد درس الطب في الأستانة (اسطنبول)، وتجند في الجيش العثماني برتبة ملازم ثم رقي إلى رتبة نقيب.

وكان لـ"عزيز" عدة أبناء، تولى معظمهم مناصب رفيعة في سوريا، قبل مجيء الثلاثي الذي دمر العلويين وعزلهم (محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد) إلى السلطة بسنوات، لا بل قبل أن يكون قد ذاع في سوريا صيت هذا الثلاثي أو حتى أحد من أفراده.

فقد كان "جهاد" الابن البكر لـ"عزيز" نائبا في البرلمان السوري في فترة ما بعد الاستقلال بين 1947 و1954، وشغل منصب سفير في عدد من البلدان (مثل العراق وتركيا والبرازيل)، وكان لدى عزيز ابن آخر اسمه قحطان شغل مقعدا في البرلمان بين عامي 1954و1961، فضلا عن "محمد" الذي عمد أبناء طائفته من الانقلابيين إلى إصدار قرار تسريحه تعسفيا عام 1963، لولا "شفاعة" العقيد "فهد الشاعر" الذي طلب له "الرأفة"، فعدل القرار إلى إحالته للتقاعد!

ولم يكن استبعاد العقيد "محمد هواش" من الجيش -الذي كان يُعد ليغدو جيش الأسد -كافيا، فتم التضييق عليه أكثر بعد استلام حافظ للسلطة، إلى درجة دفعه إلى المغادرة (التعبير المخفف لكلمه نفيه) باتجاه فرنسا حيث قضى بقية عمره قبل أن يرحل عن 88 عاما، دون أن تتاح له فرصة زيارة بلده الذي كتب عنه (تكون جمهورية سوريا والانتداب)، ولا حتى منطقته التي أفرد لها مؤلفا مستقلا بعنوان "عن العلويين ودولتهم المستقلة"، وهذا المؤلف الأخير يعده كثير من الباحثين مرجعا يرقى إلى درجة المصدرية فيما يخص تاريخ العلويين وتقسيماتهم العشائرية والأدوار التي لعبوها، لاسيما في مرحلة الانتداب الفرنسي، معتمدا على كم من وثائق الأرشيف الرسمي لفرنسا.

*ضيا باشا
رغم التفرد النسبي لـ" محمد هواش" بما كتب في هذا الخصوص، فقد سجلت على مؤلفه "عن العلويين ودولتهم المستقلة" جملة تحفظات وملحوظات، لاسيما لجهة سوقه رواية اضطهاد العلويين على يد المتصرف العثماني في اللاذقية "ضيا باشا" الذي كان حسب مزاعم "هواش": "عندما يشعر بالملل يتفتق ذهنه عن أفضل التسليات فيكلّف بعض الانكشارية بالإغارة على إحدى القرى النصيرية المجاورة والقبض على عدد من السكان واقتيادهم لحضرة الوالي الذي يأمر بوضعهم على الخوازيق، فينشرح قلب الباشا لمنظرهم وهم يتلونون ألماً ويعانون سكرات الموت البطيء، بينما أمعاؤهم تتمزق بوحشية، وضيا باشا يسحب أنفاساً من نرجيلته".

رواية كذبها وأثبت تهافتها مؤلفون علويون، منهم "سلمان يوسف" الذي يروي بكل وضوح كيف التقى والد "الشيخ صالح العلي" بالمتصرف العثماني "ضيا باشا" عام 1886م في اللاذقية، والنتائج الكبيرة التي أثمر عنها هذا الاجتماع عبر تعليمات واضحة من "السلطان عبد الحميد" تقضي ببناء 50 جامعا و50 مدرسة في جبال العلويين، لا بل إن واحدا من أكابر مشايخ العلويين ورموزهم "عبدالرحمن الخير" يذهب إلى القول بأن على العلويين أن "يخلدوا ذكره (ضيا باشا) في تاريخهم الاجتماعي بصحائف ملؤها الثناء الصادق والاعتراف بالجميل فقد قصر همه على تمدينهم"، حيث قرب إليه "أهل العلم والتقى" واحترمهم واستشارهم، وعدل في حكمه، وأشرف على إنشاء "ثمانين مدرسة أميرية في كل منها مسجد موزعة بين القرى الآهلة بالسكان كل ذلك على نفقة الحكومة".

وهكذا وفي خلاصة هذه الفقرة الموجزة عن جزء من تاريخ "محمد عزيز هواش" الضابط المسرح والكاتب المؤرخ، يتضح أن العثمانيين تعاملوا مع العلويين –كالآخرين- من منطق السياسة وميزان المصالح، ولم يكن للتعاطي وفق المنطق الطائفي ذلك التأثير الكبير، والدليل أن العثمانيين كانوا يبادرون لخلع ألقاب "البكوية" على وجهاء العلويين، ولم يترددوا –أي العثمانيون- لحظة في إسناد إدارة شؤون العلويين ومناطقهم إلى أولئك الوجهاء، ما دام هؤلاء غير راغبين في محاربة الحكومة أو الاتصال بالدول الأجنبية، كما هو ثابت من سيرة "آل الهواش"، بدءا من جدهم الأكبر "إسماعيل خير بيك" الذي كان حاكم "صافيتا" ولم ينازعه العثمانيون الملك حتى نازعهم، وفي النهاية قتله ابن طائفته وخاله "علي الشلة".
أما الخلاصة الأهم التي تفرزها الإضاءة على "آل هواش" وتاريخهم، فهي أن العلويين وزعماءهم المشهورين كان يتعاملون مع بقية السوريين من وجهة نظر سياسية، ولم يكن لهؤلاء "الزعماء" أن يتصرفوا وفق العقلية الأقلوية (رغم انتمائهم للأقلية)، وهم الأعيان الذي يحصلون على ما يريدون من امتيازات وحقوق لهم ولطائفتهم، وعلى هذا المنوال عاملهم بقية السوريين بمنطق السياسة، حتى صعد نجم "التدميريين" العلويين، وكان أول عمل لهم نسف جسور السياسة ونصب ما استطاعوا من جسور الطائفية، وتلغيمها لتفجيرها في أي وقت يرتد فيه وعي العلويين إليهم، وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه في تقرير لاحق يكشف المزيد... يتبع.

تنويه من معد التقرير: باستثناء الانقلابيين التدميريين، ليس من مهمة هذا التقرير ولا أهدافه تجريم شخصية أو جماعة أو طائفة أو حكومة، ولا حتى تبرئتها، بل هدفه الإضاءة على وقائع تم إخفاؤها أو التعمية عليها، واستقراء هذه الوقائع بأكبر قدر من المنطقية المستندة إلى مصادر ومراجع معتمدة لدى العلويين على وجه التحديد.

ايثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
(278)    هل أعجبتك المقالة (356)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي