لم يختر ابن الشمال السوري تركيا لتكون مرحلة أولى لرحلته أو مستقرا للجوئه لأنه يتوافق طائفيا مع اردوغان، ولم يكن هدفه تشكيل كتلة "سوريو اردوغان" التي يدندن عليها البعض.
ببساطة هو اختارها لأنها وجهته الأقرب جغرافيا، ولأن المؤسسة الحاكمة فيها أعلنت تأييدها لثورته.
وفي المقابل لم يختر، لم يفرز، ولم يميز التركي، بين لاجئ وآخر وفقاً لطائفته أو قوميته، فمن بين من عبر الحدود في المرحلة الأولى والمراحل اللاحقة السني والشيعي والعلوي والدرزي والاسماعيلي، العربي والكردي والآشوري.
وعندما منعت أنقرة الدخول الرسمي وتشددت في قضية العبور غير الشرعي للحدود شمل ذلك الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم وفي هذا إسقاط، للادعاء الواهي، بأن رجب طيب أردوغان يشكل بالنسبة للسوريين معادلاً ديكتاتوريا يمكن القبول به، بوصفه ضداً من ديكتاتورهم الأسدي الذي يختلفون معه مذهبيا، ناهيك عن أن في هذا الادعاء تشكيك بطهرانية الثورة الأولى التي لم يكن هدفها أصلا إسقاط النظام لأسباب طائفية.
السوري الباحث عن قشة تبقيه على قيد الحياة، لم يكن من القدرة بمكان ليتعاطى بأفلاطونية في قراءته ومواقفه من المشهد الداخلي التركي وتعقيداته بسلوكياته الديمقراطية منها والديكتاتورية.
ولعل من المناسب التذكير بالأجواء التي ترافقت مع الانتخابات البرلمانية التركية في العام 2015 يوم وضع السوريون في تركيا أيديهم على قلوبهم خشية أن تربح المعارضة التركية التي بني برنامجها الانتخابي على "طرد اللاجئين" في الوقت الذي كانت فيه، وما زالت، حدود مصر والأردن ولبنان مغلقة في وجوههم..أما العراق، فله قصة أخرى يكتب فصولها النجباء وأبو الفضل العباس وغيرهم.
ومن المفيد أيضا الإشارة هنا إلى أن ابن الجنوب كان يغامر بحياته من خلال المرور بمناطق سيطرة تنظيم "الدولة" في تلك الفترة بغية الوصول إلى تركيا، فهو لم يكن في حينها يملك من ترف الظروف ما يجعله يرسم خطوط رحلته بناء على انتماءات طائفية في تركيا، بل لأن الأخيرة هي الوحيدة التي كانت تسمح بدخوله، هذا فضلا عن أن الكثير من السوريين، لم يمنعهم انتماءهم الطائفي المشترك مع التركي من أن ينتقدوا بعض السياسات التركية تجاه المسألة السورية، مثلما لم يمنع الانتماء الطائفي الواحد بين العرب والأكراد وفي معظمهم "سنة" حدوث الصدام الذي أوجدته المصالح الحزبية والدولية، ويحاول البعض تأصيله على أنه كره قومي على مستوى شعبي وهذ ادعاء فيه الكثير من البؤس.
فمن يؤيد عملية عفرين من السوريين، ولا أعمم في ذلك، لا يؤيدها لأنها ضد الأكراد كقومية، مثلما لم ينظر الكثير من الأكراد إلى العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة ودير الزور على أنها موجهة ضد العرب كقومية، ففي الحالتين تداخلات دولية ومراكز قوة..لا ينقصها طروحات مسمومة لتلوث بقايا الطهر لدى الناس.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية